لماذا يذهب المواطنون للعيادات الخاصَّة ؟
لماذا يذهب المواطنون للعيادات الخاصَّة ؟ في حين أنَّ المستشفيات الحكوميَّة المجّانيَّة فاتحةٌ أبوابها للجميع !!
سؤالٌ يطرح نفسه بقوَّة ... و الحقيقة أنَّ الجواب و بكل بساطة يكمن في وجود ( خلل إداري ) فلو رجعنا لما توفّره الحكومة الرشيدة سدد الله خطاها لوجدنا أنَّ الحكومة توفر :
· المباني الضخمة و المتناثرة في كافَّة أنحاء الوطن .
· الآلات و الأجهزة المتطوِّرَة ( كالأجهزة المقطعيَّة و الأشعَّة و غيرها ) التي تكون آخر ما توصَّل إليه العالم من تقنيَّة في عالم الطب .
· الأدوية الأصليَّة التي تنتجها الشركات المبتكرة .
أين يكمن الخلل الإداري الذي ترتَّب عليه هروب المواطن من المجّاني إلى ذي التكلفة ؟
أرى أنَّ الخلل يبدو جلياً على عدَّة محاور إداريَّة و سنوجز أهمّها :
1. سياسة التعيين : لا تركّز المستشفيات الحكوميَّة على استقدام العمالة الماهرة و السبب في ذلك يرجع أيضاً إلى عدَّة أسباب نوجزها فيما يلي :
a. ضعف الرواتب المغرية لمن يستحقها .
b. تفشّي المحسوبيَّة عند التعيين أكثر من المنفعة المنتظرة من الطبيب أو الممرضة .
2. إدارة شؤون الموظفين بأقل من الكفاءة المطلوبة : حيثُ تعاني المستشفيات من :
a. ضعف الحوافز و غياب أسس المدرسة السلوكيَّة بالثواب و العقاب .
b. عدم وجود كشف دوري على إنتاجيَّة الموظَّف و بالتالي ترحيل من تقل ساعات إنتاجيَّته عن 60% من ساعات العمل الرسمي .
c. عدم وجود كشف دوري على جودة إنتاجيَّة الموظَّف و مقارنتها بالمعايير الموضوعة سلفاً و بالتالي ترحيل من لا تتوافق جودة إنتاجيَّته مع المستوى المطلوب أو الارتقاء بها بالدورات .
d. ضعف جانب الدورات المهنيَّة التي من شأنها رفع كفاءة العاملين .
3. التغذية الراجعة : و تندرج تحتها عدَّة نقاط :
a. ضعف التغذية المستوفاة من صندوق الشكاوى نتيجة ضعف ثقة الشاكي باهتمام إدارة المستشفى .
b. عدم إسناد مهمَّة استطلاع الرأي العام لشركات البحث حول ما تقدمه المستشفيات من خدمة و الإفادة بمستوى الرضا .
c. بطء في معالجة بعض القصور الناجم اكتشافه عن الشكاوى بسبب البيرقراطيَّة .
4. إدارة الجودة : و تندرج تحتها عدَّة نقاط و هي كما يلي :
a. عدم وجود إدارات للجودة في كثير من إدارات المستشفيات
b. و إذا ما كانت إدارة الجودة موجودة فهي لاستيفاء شكل مطلوب .
c. و إذا ما أراد المسئول عن هذه الإدارة تفعيلها فهو كالذي ينادي في وادي .
5. البيرقراطية و عقدة التوقيع : حيثُ تتفشّى البيرقراطيَّة في إدارة العمل ... فالمعاملة يتوجَّب عليها أنْ تمر على ما لا يقل عن ثلاثة مستويات إدارية و بحيث تحمل ما لا يقل عن خمس توقيعات بدءً من المستوى الذي يعلو الفراش بقليل و حتى رأس الهرم الإداري و بحيث تحمل المعاملة ما لا يقل عن ختمين إذا لم تكن ثلاثة أختام كي تكون المعاملة صالحة و قابلة للنفاذ و في الحقيقة أنَّ تلك البيرقراطية مصطنعة من الإداريين أنفسهم تحت مظلة تنظيم العمل بينما تحمل في طيّاتها اختلاق الأهميَّة لصاحب التوقيع فلفظ نتظيم العمل ما هو إلاّ كلمة حق أريدَ بها باطل .
6. نظرة العاملين : حيثُ نجد أنَّ العاملين بالمستشفى الحكومي ينظرون للمريض على أنَّه ضيف ثقيل فيتأففون من لحظة دخوله باب المستشفى في الحين الذي نجد فيه أنَّ نظرة العيادة الخاصَّة للمريض نظرة صاحب المال فيُنظر إليه على أنَّه زبون !! و بالتالي تختلف المعاملة .
7. معاملة المريض : يصف المرضى الذين جربوا القطاع الصحي الحكومي التعامل بأنه مزري حيثُ يشتكون مما يلي على سبيل المـثَـل و ليس الحصر :
a. التعامل غير اللبق من قبَل الإداريين و الممرضات و الأطباء .
b. ضعف اهتمام الطبيب في شرح الحالة المرضيَّة للمريض .... فقط إفعل كذا و اترك كذا .
8. المواعيد : تُعد المواعيد التي تعطى للمرضى لمقابلة الإستشاريين مواعيد بعيدة جداً تتراوح أحياناً بين شهرين على أقل تقدير و خمس أشهر مما يضطر المرضى للنزوح للقطاع الخاص لأنهم لا يحتملون المرض و العياذ بالله . فالمريض إذا ما أراد استشارة أخصّائي أو إستشاري توجَّبَ عليه أنْ يمر أولاً على الطبيب العام و يُخضعه لفحصه و قد لا يكون ذا تخصص و هذا ما يكون عليه الحال غالباً !! و إذا ما استطاع المريض إقناع الطبيب العام بأنَّ حالته تستوجب زيارة الإستشاري قام بتحويله ... و حينها يحصل المريض على موعدٍ يتراوح كما أسلفت بين شهرين إلى خمسة أشهر في حين أننا نجد القطاع الخاص يحتضن المريض في نفس اليوم !! يال المفارقات !!
9. التحاليل : تعتبر التحاليل من أهم الأمور التي يعتمد عليها الطبيب في تشخيص حالة المريض و يرى بعض المرضى ممن يمتلكون الحد الأدنى من التثقيف الصحي أنَّ ليس باستطاعتهم الذهاب مباشرةً للمختبر و طلب فحصهم من بعض الأمور المعروفة كالكلسترول أو السكري أو إختبار وجود بعض الأمراض من عدمه حيثُ لا بد للمريض أو من يريد التأكد من نتيجةٍ معيَّنة المرور على الطبيب و محاولة إقناعه فإمّا يقتنع و بالتالي يحوُّل المريض على المختبر أو لا يقتنع !! كما أنَّ نتائج التحاليل تتصف بالبطء . ففي الحين الذي نرى فيه النتائج السريع في القطاع الخاص و التي تصل في سرعتها إلى إعطاء النتيجة للمريض قبل مغادرته غرفة المختبر نجد أنَّ نتائج التحاليل تظهر بعد أكثر من ثلاثة أيّام في القطاع الحكومي !!
10.فإران التجارب : يرى بعض المرضى أنَّهم يكونون محط تجارب بعض الأطباء فيشعرون أنَّهم فإران تجارب لا أكثر و لا أقل و ذلك من خلال الأطباء الجدد الذين يتدربيون على الناس و حالما يرون أنهم اكتسبوا الخبرة الكافية رفسوا القطاع الحكومي متجهين للقطاع الخاص حيث ينتظرهم الثراء !! فيقول المريض أفضِّل أنْ أذهب للقطاع الخاص و أصرف بدل أنْ أكون حقل تجارب .
11.غياب التدقيق الإداري : تعتمد الدول المتقدِّمة على التدقيق الإداري إلى جانب التدقيق المالي حيثُ تدقق القرارات الإداريَّة و تمحَّص النتائج المترتبة على تلك القرارات و إذا ما ثبتَ أنَّ مسئولاً ما اتخذ قراراً ترتبت عليه مشاكل إدارية كإرباك أو تعطيل سير العمل أو فشله أو مشاكل ماليَّة كتكبُّد المستشفى خسائر ماليَّة . فإنَّه يُحال للمحكمة الإداريَّة و التي من شأنها أنْ توقِّع عليه عقوبات قد تصل إلى تنحيته عن كرسي القرار .
12.غياب مراكز الإحصاء : حيث تعاني المستشفيات من عدم وجود مراكز للإحصاء و التي من شأنها كتابة تقارير إحصائيَّة أسبوعيَّة و شهريَّة و نصف سنويَّة و سنويَّة عن بعض الأمور و بالتالي فإنَّ متخذ القرار كثيراً ما يتخذ قراراته على رؤية غير واضحة أو اعتماداً على إفادة صديق أو توقعاً غير مبني على أسس علميَّة . و بالتالي لا غرابة إنْ وجدنا إدارة مستشفىً ما تتخذ قرارات عشوائيَّة توصف على إثرها بأنها متخبِّطة .
13.البطانة الفاسدة : من المشاكل الإداريَّة التي يعاني منها العرب على وجه العموم في إدارة معظم المؤسسات الحكوميَّة و من بينها مؤسسات القطاع الصحي أنَّ مدير عام الدائرة يُـوَلّي من لا ترقى كفاءته للمستوى المطلوب ... لا على المستوى المهني ... و أحياناً .. و لا على المستوى الأخلاقي , حيثُ نجد الشخص الذي يتبوَّء قمَّة الهرم الإداري يستقطب أحبّاءه قبل أنْ ينظر لكفاءتهم أو يُلقي السمع و هو بصير لمن يخلص له النصيحة و بالتالي نرى البطانة الفاسدة حتى و إنْ صلحت القمَّة فالبطانة تسيّر الأمور و تحجب المعلومات التي لا تريد للمدير أنْ يطلع عليها و تُـسْـتشار فـتُـظـلْ و ما إلى تلك الأمور .
14.العزَّةُ بالإثم : في كثيرٍ من الأحيان يتبيَّن لمتَّخذ القرار أنَّه اتخذَ قراراً غير صحيح فتأخذه العزَّة أنْ يتراجع عن قراره حتى و لو اتصفت الخسائر الناجمة عن القرار بالاستمراريَّة و أنها نزيف
هناك الكثير من المشاكل الإداريَّة التي تستوجب الوقوف عندها و التمعّن فيها و إطلاق العنان للخيال في إحصاء مبرراتها و نتائجها و سبل حلها و معالجتها و لكل لا أطيل فسآتي على ذكر حل كل ما سبق في الأسطر التالية :