إحدى أهم صفات القائد
كان رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم رسولاً و نبياً و رئيسَ دولةٍ و ذا مشورةٍ و قائدَ معركةٍ و قاضياً و شاهداً و منذراً و بشيرا.
جمع صلى الله عليه وسلّم من الصفاتٍ ما يثير الدهشة و تفوَّقَ فيها جميعاً.
دخل الصحابي الجليل ( أبو بكر ابن أبي قحافة ) الإسلام بلا تردد عندما عرض عليه الرسول (ص) الإسلام و كان أوّل من أسلم من الرجال فسمّاه الرسول (ص) "أبوبكر الصديق" و تلى ذلك إسلام الصحابي الجليل ( خالد بن الوليد ) في السنة 8 هجرية أي أنَّ الفارق الزمني بين اسلامهما 21 سنة ( 13 سنة في مكة + 8 سنوات من الهجرة ) و سماه الرسول (ص) "سيف الله المسلول" ولم يُهزَمْ في معركةٍ قط ... لا قبل الإسلام و لا بعد الإسلام.
و كلنا نعرف مدى قرب مكانة سيدنا ( أبوبكر الصديق ) من الرسول (ص) إذْ قال الله في كتابه الكريم مشيراً لأبي بكر رضي الله عنه:
((إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) سورة التوبة 40
((وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى 17 الذي يُؤتي مالَهُ يَتَزَكَّى 18 وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى 19 إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلى 20 وَلَسَوْفَ يَرْضى 21)) سورة الليل
ورغم أسبقيّة سيدنا أبوبكر بـ 21 سنة و مكانته المعروفة إلاّ أنَّ الرسول (ص) عَيَّنَ سيدنا خالد بن الوليد ليكون قائد الجيوش و السراياً بصفةٍ عامة بعد أنْ صار انتماؤه للإسلام .
هكذا هو القائد دائماً يُعيّن الأصلح قبل الأقرب و الصديق. إذْ أنَّ المصلحة العامة أولى من المصلحة الخاصة.
قاد سيدنا خالد بن الوليد أكثر من 100 معركة لمْ يُهزم في واحدةٍ منها.
العجيب أنَّه قاد الجيش في معركة مؤتة بعد زيد بن حارثة، وجعفر ابن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة . تلك المعركة التي حدثت في السنة الثامنة للهجرة أي في نفس السنة التي دخل فيها الإسلام . و من المثير للدهشة أنَّ البخاري روى عن خالد أنَّ 9 سيوف تكسّرت في يده في تلك المعركة إذْ قال: ((لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية))
من صفات القائد أنَّه يعرف يقيّم محيطه و أصدقائه و يعرف قدراتهم و إمكاناتهم ثم يجعل الرجل المناسب في المكان المناسب بكف النظر عن الصداقة أو القُربى.
فهذا يجعله على الجيوش و ذلك يجعله لجمع الزكاة و آخر يرسله لتحفيظ القرآن و تفقيه الناس في أمور دينهم وهكذا.
إنَّ أحد أهم أسباب فشل و خسارة العرب في التاريخ الحديث أنَّهم ولوا أصدقائهم و أقاربهم الأمور فكانت النتائج كارثيّة. فعلى سبيل المثل ... ولّى الزعيم / جمال عبد الناصر قيادة الجيش في سنة 1967 لصديقه / عبد الحكيم عامر والذي كان وزيراً للدفاع في نفس الوقت فكانت الهزيمة. عزله جمال عبد الناصر بعد الهزيمة ولكن العزل لا يُرجع الفائت و لا يُعوّض الخسائر. أنا لا أقول أنَّ السبب في النكسة هو / عبد الحكيم عامر فقد كانت هناك أسباب كثيرة و أخطاء قاتلة ولكن كان عبد الحكيم أحد أهم و أقوى الأسباب.
هذا مثل واحد ... ومن كان يريد أنْ يستزيد فليقرأ في التاريخ ليصل إلى ما أشير إليه.
إذاً فالقيادة تستلزم أمرين : 1) حسن التقييم 2) و تولية الأصلح.
ولا تتأتى الثانية إلاّ بتقدّم الأولى. ويحضرني بيت شعر لابن القيّم ورد في قصيدةٍ طويلة له:
فإن كنتَ لا تدرى فتلك مُصيبَةٌ **** وإن كنتَ تدرى فالمصيبَةُ أعظمُ
ويُؤكّد هذا المعنى القرآنُ الكريم في مواضع كثيرة على أنَّ الضال مصيبته أهون من العارف المنكر. فقد وصف الله جل جلاله النصارى في سورة الفاتحة بأنّهم "ضالين" ووصف اليهود بأنّهم "مغضوبٌ عليهم" حيث أنَّ اليهود يعرفون الحق و ينكرونه , حيث يقول الله تعالى:
((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ))البقرة 146
تحدَّثتُ في ما سبق عن الفرق بين القائد و المدير كما تحدَّثَ الكثيرون ولكنني اليوم ألقي الضوء على جانبٍ أرى أنَّه بالغ الأهميّة . فالمدير الذي يتحلى بصفات القائد يستطيع أنْ يميّز الذكي من الثور و بالتالي يولّي الأصلح و ليس الصديق.
و في رأيي و حسب تقسيمي فالمدير لا يعدو إحدى الحالات الأربع الواردة أدناه.
المدير |
يولّي الأصلح |
لا يولّي الأصلح |
يستطيع أنْ يميّز الأصلح |
قائد |
مدير فاشل |
لا يستطيع أنْ يميّز الأصلح |
مدير محظوظ |
مدير منكوس |
أسأل الله جل جلاله أنْ يغفر لنا و يرحمنا .
أخوكم / محمد سيف العتيبة بو بطي 0554000060 الخميس 3-4-2014م
عزيزي القارىء إذا أردت تنزيل المقال بصيغة PDF فاضغط هنا. |