عَجَباً من الإنسانِ و لا عَجَبَ لَـهْ

عَجَباً من الإنسانِ و لا عَجَبَ لَـهْ

عندما أمعنتُ النظرَ في الإنسان تعجبتُ من ما يصدر عنه من قولٍ أو عمل ذلك المخلوق الضعيف الذي استخلفه الله في الأرض.

فقد قال الله تعالى:

(( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )) النساء 28

و قال الله تعالى:

(( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ )) الروم 54

و رغم ضعف الإنسان فقد استخلفه الله في الأرض , قال الله جل في علاه:

(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )) البقرة 30

شد انتباهي موضوع ضعف الإنسان و استخلاف الله له في الأرض و كان ذلك لعلم الله بأشياء لا تعلمها الملائكة.

تفكرت في ضعف الإنسان أولاً فوجدتُ أنَّ الإنسان أضعف من البهيمة و ذلك من خلال وجهين و هما:

أولاً: قوة الإنسان مع قوة الحيوان.

فإذا كان الإنسان قوياً فالأسد أقوى منه.

و إذا كان الإنسانُ عدّاءً فالنمر الشيتا أسرع منه.

و إذا كان الإنسانُ حادَّ البصرِ فالصقر أحدُّ بصراً منه.

و إذا كان الإنسانُ سبّاحاً أو غوّاصاً فأصغر سمكة تسبح و تغوص أفضل منه.

و إذا كان الإنسانُ شمّاماً أو سمّاعاً فالكلب أفضل شمّاً و سمعاً منه

و إذا كان الإنسانُ حمّالاً للأثقال فالنملة تحمل 10 أضعاف وزنها أي أفضل من الإنسان.

و قس على نحو ذلك الكثير..

 

ثانياً : الأمراض المحتملة.

لقد قمت بأخذ عينة من بعض الحيوانات و بحثت عن الأمراض المحتملة لكل نوع من الأنواع فتبين لي أنَّ الأمراض المحتملة لكل نوع من الحيوانات محدودة جداً لا تتجاوز في أقصاها 20 نوع , فعلى سبيل المثل:

الأمراض المحتملة للسمك حوالي 9 أمراض مختلفة.

الأمراض المحتملة للنحل 6 أمراض مختلفة.

الأمراض المحتملة للطيور 14 مرض مختلف.

الأمراض المحتملة للخنازير 7 أمراض مختلفة.

الأمراض المحتملة للخيل 11 مرض مختلف.

الأمراض المحتملة للماعز و الخرفان 11 مرض مختلف.

الأمراض المحتملة للبقر 14 مرض مختلف.

يمكنك زيارة موقع المنظمة العالمية لصحة الحيوان ( world organization for animal health ) فالمعلومات التي ذكرتها أعلاه مستقاة من هذا الموقع:

http://www.oie.int/en/animal-health-in-the-world/oie-listed-diseases-2011

بينما الأمراض المحملة للإنسان أكثر من 200 نوع مختلف من الأمراض.

فأمراض القلب فقط ... أكثر من 10 أنواع مختلفة و هي كالتالي:

1 – تصلب و انسداد الشرايين.

2 – تكلس و تصلب أو ارتخاء صمامات القلب التي ينجم عنها ارتجاع الدم.

3 – مرض نقص التروية Ischaemic heart disease.

4 – السكتة القلبية Heart failure.

5 – إلتهابات القلب Inflammatory.

6 – ضعف عضلة القلب Cardiomyopathy.

7 – تضخم القلب .

8 – ارتفاع ضغط الدم في القلب.

9 – عدم انتظام ضربات القلب.

10 – انفجار الشعيرات الدموية أو انفجار شريانٍ كبيرٍ الذي يؤدي للموت مباشرة.

قس على ذلك ... الأمراض الجلدية أكثر من 34 نوع مختلف و أمراض السرطان أكثر من 22 نوع مختلف و أمراض الرئة أكثر من 11 نوع مختلف و أمراض العظام أكثر من 6 أنواع و أمراض الكلى أكثر من 4 أنواع و أمراض الأنف و الأذن و الحنجرة و أمراض العيون و أمراض الأسنان و أمراض الشيخوخة و غيرها, أما إذا أتيت للأمراض البكتيرية و الفيروسية و الفطرية فـعَـدِّدْ و لا تَـعُـدْ و إذا أتيت إلى أمراض الهرمونات فهي كثيرة.

و ما تُـمَـيِّـز الإنسانَ عن الحيوانِ فهي قائمة الأمراض النفسية التي تفوق 30 نوعاً مختلفا.

يا للعجب الإنسان معرَّض لأكثر من 200 نوع مختلف من الأمراض بينما الأمراض المحتملة للماعز 11 نوع مختلف... إخواني الكرام ... ألا يدعونا هذا الأمر للوقوف عنده لبضع دقائق و التفكّر فيه.

قال الله جل شأنه :

(( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )) الروم 8

كما قال سبحانه و تعالى :

(( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  )) فصلت 53

الإنسان يحتقر البهيمة و يستركبها و يزدريها و هي أقوى منه ... يا للعجب.

ما ميَّز الإنسان عن الحيوان هو العقل, فبالعقل استطاع الغلام الصغير في الهند أنْ يقود الفيل و يركب على رأسه فالإنسان يستطيع أنْ يفكر و يحلل و يقرر و لديه الكثير من المهارات العقلية و الانفعالات العاطفية كالضحك أو البكاء التي يفتقر إليها الحيوان.

و ما يميِّز الإنسان عن الإنسان كذلك هو العقل.

وقد عبَّر كثيرٌ من الشعراء عن أهمية العقل و مكانته و إليكم بالتالي :

قال زهير ابن أبي سلمى :

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده     ***     فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

فالشاعر يريد أن يقول أنَّ الإنسان بعقله ( عبَّر عن العقل بكلمة فؤاده ) و لسانه الذي يعبِّر عن محتوى عقله أما جسم الإنسان فما هو إلاّ لحمٌ و دم. و أراد بكلمة ( إلاّ ) التقليل من شأن الجسد إذا ما قورن بالعقل.

و قال المتنبي :

كَدَعواكِ كُلٌّ يَدَّعي صِحَّةَ العَقلِ   ***   وَمَن ذا الَّذي يَدري بِما فيهِ مِن جَهلِ

و قال كذلك :

ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ   ***   وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ

و قال كذلك :

يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ      ***     وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ

و الإنسانُ بعقلهِ فإماّ ذكي و إماّ غبي و الهدايةُ من عندِ الله.

فيا للعجب عندنا ترى الإنسانَ رغم ضعفه ينسى نفسه و حدوده فيظلم و يستكبر و يا للعجب مما ينجم عنه من قولٍ أو عمل.

قال الله جل في علاه:

(( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى 6 أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى 7 )) العلق

كلاّ بمعنى ( حقاً ) أي : حقاً إنَّ الإنسانَ ليطغى إنْ رأى نفسه استغنى.

فالإنسان بصفةٍ عامة يُصاب بالطغيان عندما يمتلك أسباب القوة ... مثل السلطة و المال و السلاح و غيرها, و لعل أبرز قصَّةٍ ذكرها الله جل جلاله في الفرقان العظيم هي قصة موسى مع فرعون . ففرعون عندما غرته الدنيا و حكم مصر و استشعر قوته ادعى الربوبية و في رأيي ادعاء الربوبية هي مرحلةٌ من الكفر ما بعدها مرحلة حتى أنها أكبر من الشرك فالمشرك من يعبد إلهً غير الله أو إلهً مع الله و لكن ما أتى به فرعون هو ما لا يتصوره العقل .

قال الله جل في علاه :

(( فَحَشَرَ فَنَادَى 23 فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى 24 )) النازعات

عجباً ... هذا الإنسان الذي لا يستطيع دفع الأذى عن نفسه ... هذا الإنسان الذي لو أُصيبَ بالزكام ربما أرقدَهُ الفراشَ ... هذا الإنسان الأضعف من البهيمة ... يصدر منه كل هذا .

فكما قلت في عنوان المقال (( عَجَباً من الإنسانِ و لا عَجَبَ لَـهْ )) إذْ أنّي أتعجبُ من ما يصدر من الإنسانِ قولاً و فعلا و لا أعجب لما أعطاه الله جلَّ جلاله له من هبات و نِعَم لأنَّ اللهَ وهّابٌ و كريمٌ و حليمٌ بعباده.

 

نسأل الله الهداية و التثبيت على الحق و أنْ يغفر لنا ما سلف و يغفر للمؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات

 

محمد العتيبة    بو بطي   6255599   050    السبت   28/5/2011 م

عزيزي القارئ إذا أردتَ تنزيل المقال بصيغة بي دي أف فاضعط على الصورة أدناه

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

135

 العدد الكلي:

986905

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2024 الموقع الفرعي