الظلم

الظلم

 

يأتي هذا الموضوع في ثلاثة فصول :

 

الفصل الأول :      تعريف الظلم و أنواعه.

الفصل الثاني :      المواضع التي ذكر فيها الظلم:

أولاً : في القرآن الكريم .

ثانياً : في الحديث الشريف.

ثالثاً : في الأمثال الشعبية عند الشعوب و أقوال الحكماء.

رابعاً : في الشعر العربي قديمه و حديثه .

الفصل الثالث :      رؤى و اجتهادات.

 

 

الفصل الأول

تعريف الظلم و أنواعه

 

تعريف الظلم : هو سلب حقوق الآخرين و الاعتداء عليهم , سواءً أكان السلب أو الاعتداء مادياً أو معنوياً .

 

أنواع الظلم :

1)   الشرك بالله .

2)   ظلم الناس.

3)   ظلم النفس.

 

 

و فيما يلي تفصيلٌ بما تقدَّم :

1 ) إنَّ أشد أنواع الظلم هو الشرك بالله عز و جل .

فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم:

" وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ  " سورة لقمان 13

2 ) ثم يأتي بعد ذلك ظلم الناس .

و ظلم الناس ينقسم إلى عدة أقسام و هي :

الظلم المادي و الظلم المعنوي و الإيذاء المادي و الإيذاء المعنوي

 

و فيما يلي شرحاً بالفوارق بينها :

                                             أ‌-        الظلم المادي .

كأن يستولي شخصٌ ما على شيء من ممتلكاتك كما هو مذكور في الآية الكريمة المذكورة أدناه . فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم:

" قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " سورة ص 24

                                          ب‌-      الظلم المعنوي .

و ينقسم إلى قسمين :

*   كـأنْ يستولي شخصٌ ما على شيء من حقوقك المعنوية كأنْ يَـنْـسِـبُ شخصٌ ما حقك في براءة اختراع إلى نفسه مثلاً , أو أن يقوم رئيسك في العمل بإعطائك تقديراً منخفضاً في ( تقييم الكفاءة السنوي ) مثل " مقبول " أو تقدير " جيد " بينما تستحق تقدير " إمتياز ".

*   كـأنْ يُـنْـسَـبُ إليك القيام بفعلٍ مؤذي أو سيء و أنت لم تفعل كأنْ يُنسب إليك أنك أنت من كان السبب في خسارة الشركة التي تعمل بها و أنت لست كذلك .

                                          ت‌-      الإيذاء المادي .

و ينقسم إلى قسمين :

*   الإيذاء البدني كأنْ يعتدي عليك شخصُ ما بالضرب بلا سبب.

*   الإيذاء بالتعرض للممتلكات كـأنْ تمتلك ماشية و قد أوكلت بها راعي ليرعاها في الصحراء ثم تؤذى ماشيتك من قبل شخصٍ ما فيحجب عنها الماء الذي يمر بأرضه أو يفلت عليها كلبه الذي ينبح عليها و يخيفها باستمرار أو يشتري العلف الموجود بالسوق كلّه و يخزنه عنده فلا تجد ما تشتريه لماشيتك.

 

                                          ث‌-      الإيذاء المعنوي .

و ينقسم الإيذاء المعنوي إلى قسمين :

*   الإيذاء المعنوي بسلبك ما فيك من صفاتٍ حميدة كأنْ يعتدي عليك شخصُ ما فيقول لك ... لم نرك منصفاً في موضوع كذا و كذا ... و الحقيقة أنك كنت منصفاً.

*   الإيذاء المعنوي بوصفك بما ليس فيك كأنْ يعتدي عليك شخصُ ما بالسب فيصفك بما ليس فيك فيقول لك يا غبي أو يا بهيمة أو يا منافق و أنت لست كذلك.

حالات المظلوم :

1 – من المحتمل أنْ يقع الظلم على فرد ( أي شخص واحد ).

2 – من المحتمل أنْ يقع الظلم على مجموعة معينة من الناس .

3 - من المحتمل أنْ يقع الظلم على المجتمع بأسره .

 

هناك أربعة حالات تستدعي رأياً فقهياً لا أملكه و لم أتمكن في بحثي و تمحيصي من العثور على أدلة مباشرة من القرآن و السنة فيها و هي :

1)   المساعد على الظلم.

2)   المنفذ للظلم.

3)   الساكت عن الظلم.

4)   الواقع الظلم في حِـماه.

 

و فيما يلي توضيحاً للفوارق بينها ...

 

المساعد على الظلم:  

هو الشخص الذي يشجع الظالم على المضي قدماً في ظلمه أو يوفر له وسائل و أدوات الظلم أو يعيق المظلوم عند محاولاته لدفع الظلم عن نفسه.

المنفذ للظلم :   

هو الشخص الذي تـقـتـضي مهامه الوظيفيَّة تنفيذ أمرٍ ظالم على طرفٍ ثالث كأنْ يأمر ضابط شرطياً بضرب إنسانٍ بريء فالشرطي في هذه الحالة منفذ للظلم.

الساكت على الظلم:   

هو الشخص الذي يرى ظلماً وقع من ظالم على مظلوم و هو ليس طرفاً في الأمر فيسكت بدعوى أنْ لا علاقة له بما يرى و بدعوى من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه .

ورد في صحيح مسلم و القائل :

« مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ». و الظلم لا شك يعتبر منكر.

الواقع الظلم في حِـماه :

و هو الشخص الذي يمثل السلطة الأعلى في ما أوكل إليه و يقع الظلم في حماه بعلمه أو بدون علمه . كأنْ يكون هناك جيشٌ ما و يظلم الضابطُ جندياً في أمرٍ ما. ما هي المسئولية التي تقع على عاتـق قائـد الجيش في حال علمه بالمظلمة و في حال عدم علمه بها ؟ من منطلق (( كلكم راعٍ و كلكم مسئولٌ عن رعيته )).

 

في الحقيقة أنني لا أعلم ما هي الصفة الشرعية لؤلئك الأصناف الأربعة من البشر. هل يعتبر الواحد منهم ظالم بنفس درجة الظالم الأصلي أم ظالم بدرجةٍ أقل أم خاطئ أم مأثوم . فهذا يستدعي رأياً فقهياً . و قد استفتيت أربعةً من كبار العلماء في دبي فلم أتلقَّ رداً مكتوباً على استفتائي غير الأستاذ الدكتور أحمد الزبيدي الذي قال لي المساعد في الظلم كالظالم إلاّ أنني لازلت أقول أنني لم أجدْ دليلاً من القرآن و الحديث ما يوضح الصفة الشرعية لؤلئك الأصناف الأربعة من البشر .

 

3 ) ثم يأتي بعد ذلك ظلم النفس فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم:

" وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ " سورة الطلاق 1

كما قال تعالى :

" وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا " سورة الكهف 35

فظلم النفس يقع بالمعصية .

 

الفصل الثاني

المواضع التي ذكر فيها الظلم .

 

أولاً : ذكر الظلم في القرآن الكريم .

لقد ذكر الله جل في علاه الظلم في مواضع كثيرة جداً في القرآن الكريم ليس لدي حصرٌ بها ولكنني أذكر بعض الآيات الكريمات فقد قال الله تعالى :

" لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا  " سورة النساء 148

و هذا أمرٌ يجهله كثيرٌ من الناس أنَّه يحق للمظلوم أنْ يخبر الناس بما وقع عليه من ظلم و لا يعتبر حديثه في هذه الحالة غيبة أو نميمة و لربما سمح الله للمظلوم بالتحدث لسببين :

1)   تـنـبـيـه الناس إلى الظالم و طريقة ظلمه لكي لا يُـظْـلَـم أي إنسانٍ آخر بسبب جهله بالظالم.

2)   للتـخـفـيـف عن نفسه . فالمظلوم يخفف عن نفسه بالتحدث للآخرين .

كما قال الله تبارك و تعالى :

" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا " سورة الفرقان 27

و الخطاب في الآية الكريمة أعلاه موجه للكفّار الذين ناصبوا الرسول الكريم محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه و سلّم العداء و لم يسلموا بل ضايقوه و حاربوه . فالله يخبرنا أنهم ظالمون و أنهم سيعضون على أيديهم من الندم إذْ لم يسلموا و لم يتخذوا مع الرسول سبيلا.

و قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه :

" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ  " الشعراء 227

" وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إنما يُؤخرهُمْ ليومٍ تَشْخَصُ فيه الأبصارُ 42 مُهْطِعينَ مُقنعي رُءوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إليهِم طَرْفُهُمْ و أفئدتهم هواء 43" إبراهيم

 

 

ثانياً : ذكر الظلم في الحديث الشريف.

 

هناك أحاديث كثيرة ورد بها موضوع الظلم ,, اخترت من بينها بعضها.

ورد في صحيح البخاري

قَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم « إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِى الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِى الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِى الدُّنْيَا » .

و نستفيد من هذا أنَّ الله قد يغفر ما كان من ذنوب عباده إلاّ المظالم فتسوى بينهم.

ورد في صحيح البخاري :

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَىْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ » .

و نستفيد من هذا أنَّ الظالم قد يخسر حسناته التي جمعها في الدنيا لصالح المظلوم فإنْ لم تبقَ له حسنات أُخذَ من سيئات المظلوم فحمِّلَ بها الظالم .

ورد في صحيح البخاري :

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ » .

و نستفيد من هذا أنَّ الظالم لنفسه ( مرتكب المعصية ) قد يغفر الله له ذنوبه ما كان ساتراً معصيته في الدنيا.

ورد في صحيح البخاري :

قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .

و نستفيد من هذا أنَّ على المسلم أنْ لا يظلم أخوه المسلم .

ورد في صحيح البخاري :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ « تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ » . أي تمنعه من التمادي في ظلمه و توقفه .

و نستفيد من هذا وجوب نصرة المظلوم و وجوب إيقاف الظالم.

ورد في صحيح البخاري :

قَالَ أحد الصحابة أَمَرَنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ . فَذَكَرَ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ ، وَرَدَّ السَّلاَمِ ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي ، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ .

و نستفيد من هذا بأنَّ الرسول صلى الله عليه و سلَّم أمرنا أنْ ننصر المظلوم.

ورد في صحيح البخاري :

أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ « اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ » .

كما ورد في مسند أحمد :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِراً فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ ».

و نستفيد من الحديثين أنَّ الله قد يستجيب لدعوة المظلوم حتى ولو كان كافراً.

ورد في سنن الترمذي :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ».

و نستفيد من هذا تقديم دعوة المظلوم في الإجابة على دعوة المسافر و دعوة الوالد على الولد و العياذ بالله .

 

 ورد في سنن ابن ماجة

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ بِعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ».

و نستفيد من هذا أنَّ الله يقسم بعزته بأنْ ينصرَ المظلوم , ويا له من قسم ,,  مما يجعل المؤمنين حقاً يشعرون بالاطمئنان و الراحة بأنَّ حقهم لن يضيع أبداً .

 

ثالثاً : ذكر الظلم في الأمثال الشعبية عند الشعوب و أقوال الحكماء .

ذكر الظلم عند مختلف الشعوب و هو محط انتقاد لفاعله . ولكن يجب أنْ نتذكر عند قراءتنا للأمثال أنها قد تكون من بيئة غير إسلامية أو صادرة من أناسٍ متوسطي الثقافة و التدين أو الإلمام الفقهي و أنا حقيقةً لا أتفق مع مفهوم و مضمون بعضها , إنما أسردها من باب إحاطة الموضوع من جميع جوانبه و إليكم ببعضها :

1)   الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس ( مقولة أبي علي الدقاق – تمحيص د. أحمد الزبيدي )

2)   الظلم أسرع شيء إلى تعجيل نقمة وتبديل نعمة

3)   بيت الظالم خراب

4)   من ظَلَمَ نفسه فهو لغيره أظلم

5)   نوم الظالم عبادة

6)   إذا دعتك قدرتك على إنسان فتذكر قدرة الله عليك

7)   إذا كان خصمك القاضي من تقاضي

8)   يا ظالم لك يوم

9)   يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ( علي ابن أبي طالب )

10)                      الكريم يظلم من فوقه واللئيم يظلم من تحته

11)                      من شابه أباه فما ظلم

12)                      من عَفَّ عن ظلم العباد تورعا * جاءته ألطاف الإله تبرعا

13)                      العين بالعين و السن بالسن و البادئ أظلم

14)                      أظلم من أفعى

15)                      المساواة في الظلم عدالة

16)                      الظلم علامة واضحة من علامات الضعف البشري

17)                      الظلم يترنح لأنه في سبيله إلى التخاذل والتهاوي عاجلا أم آجلا.

18)                      الظالم المستبد لا يعرف طعم الصداقة

19)                      الظالمون يفقدون احترام الناس لأنهم دون مستوى الاحترام

20)                      عصيان المستبد طاعة لله.

21)                      دولة الظلم ساعة ، ودولة الحق إلى قيام الساعة

22)                      ظلم المرء يصرعه

 

 

رابعاً : ذكر الظلم في الشعر العربي قديمه و حديثه .

 

إنَّ أفضلَ ما سمعتُ في الظلم شعراً و أبيات سيدنا علي بن أبي طالب:

لا تظلمّن إذا ما كنت مقتدرا   ***   فالظلم مرتعه يفضي إلى الندمِ
تـنام عيناك والمظلوم منتبه   ***    يدعو عليك وعين الله لم تـنمِ
واحذر أخيّا من المظلوم دعوته   ***   وإن تصبك سهام الليل في الظلمِ

( تمحيص د. أحمد الزبيدي )

 

قال المتنبي

وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ    ***   فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ

الهاء في حاكموها عائدة على إحدى القلاع التي أراد الروم هدمها و قد ظُلمت بذلك ولكن قدر الله أراد للمظلوم ( القلعة ) بالبقاء و أراد للظالم ( الروم ) الموت.

و نستخلص من هذا أنَّ الظالم قد يسعى في هلاكه بظلمه و قد يكون سبباً في مجد و رفعة المظلوم.

 

و قال المتنبي في أجمل ما قيل من الوصف و الغزل:

ظَلومٌ كَمَتنَيها لِصَبٍّ كَخَصرِها   ***   ضَعيفِ القُوى مِن فِعلِها يَتَظَلَّمُ

أعتقد أنه واضح و لا يحتاج لشرح.

 

و قال المتنبي عن الظلم و هو من عيون الشعر و الحكمة:

الظلم من شيم النفوس فإنْ تجد   ***   ذا عِفَّـةٍ فلعلَّةٍ لا يظْـلِـمُ

أيْ أنَّ النفس البشرية مفطورة على الظلم فإذا وجدتَ شخصاً ما لا يظلم فإنَّ ذلك بسبب وجود علَّة أو مانع يحول دون تمكن هذا الشخص من الظلم.

 

كما قال المتنبي بيتاً آخر في في الظلم غاية في الحكمة و هو:

وَأَظلَمُ أَهلِ الظُلمِ مَن باتَ حاسِداً   ***   لِمَن باتَ في نَعمائِهِ يَتَقَلَّبُ

أيْ أنَّ الحاسد ظالم بل إنَّه أظلم الظالمين و في ذلك مبالغة.

 

كما يقول زهير بن أبي سلمى في بيت في آخر معلقته الشهيرة  :
من لم يذد عن حوضه بسلاحه
    ***   يُهَدَّمْ ومن لا يظلمِ الناس يظلمِ

و يقول الشاعر أنِّك إذا لم تبادر لظلم الناس فإنهم سيظلمونك .

 

و قال أحد الشعراء و كأنه موافقاً زهير ابن أبي سلمى على ما قاله فقال:

إذا لم تكن ذئباً على الأرضِ فارسا   ***   كثيرُ الأذى بالت عليك الثعالبُ

 

كما قال طرفة ابن العبد في معلقته و ما أجمله و أصدقه من بيت :

و ظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً   ***   على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المهنَّدِ

 

و قال أحد الشعراء :

وما من يدٍ إلا يَـدُ اللهِ فوقَها ***** ولا من ظالمٍ إلاّ سيُبلى بأظلمِ

 

الفصل الثالث

رؤى و اجتهادات

 

و ينقسم الفصل الثالث إلى ثلاثة أقسام و هي:

·       كيف يتعامل المظلوم مع الظالم و محيطه ؟

·       متى و كيف و أين تكون عقوبة الظالم ؟

·       رؤيتي في نهاية المقال في الظلم و الظالم و المظلوم.

 

و الآن دعونا نستعرض الأقسام الثلاثة بشيءٍ من التفصيل.

·       كيف يتعامل المظلوم مع الظالم و محيطه ؟

 

هناك ثلاث أنماط من التعامل عادةً ما يسلكها المظلوم :

1)   السكوت على الظالم و التحمل خشية وقوع المزيد من الظلم عليه.

2)   مقاومة الظالم بلا تشهير.

3)   مقاومة الظالم مع التشهير بظلمه.

إنَّ اختيار النمط المناسب من بين الأنماط المذكورة يخضع بالدرجة الأولى إلى تكوين شخصية المظلوم ( شخصية ضعيفة , قوية , انهزامية , أبية ) و تـأتي الظروف المحيطة لتحل في المرتبة الثانية.

و ليعلم المظلوم بــ :

1)   أنَّ الله مع الصابرين .

2)   و أنَّ بعد العسر يسرين و ليس واحداً .

3)   و أنَّ الظلم كلما اشتد كان ذلك إيذاناً بزواله .

4)   و أنَّ الله ربما أراد تخفيف ما عليه من ذنوب .

5)   و أنَّ الله ربما أذاقه الظلم لكي لا يظلم الآخرين فمن ذاق طعم الظلم يعرف معنى العدالة .

6)   و أنَّ الله ربما أراد أنْ يعرف المظلوم محيطه و أصدقاءه و من سيقف معه و من سيكون متفرجاً و من سيساعد الظالم ضده فإذا كشف الله للإنسان المظلوم نوايا و مواقف محيطه من أصدقاء و زملاء عمل فإنَّ ذلك يعد نعمة من الله يجب أنْ يشكره عليها .

7)    و أنَّ لولا الظلم الذي وقع عليه ما كان ليعرف مساره في ضوضاء زحمة الدنيا و تزييف الشيطان فلربما أراد الله من عبده أنْ يرجع إليه و يسمع مناجاته و دعائه و في هذا خير.

 

·       متى و كيف و أين تكون عقوبة الظالم ؟

 

متى و أين تكون عقوبة الظالم ؟

عقوبة الظالم :

1)   قد تأتي في الدنيا معجلة أو مؤجلة.

2)   و قد تأتي في الآخرة.

3)   و قد تكون في الدنيا و الآخرة معاً.

 

كيف تكون عقوبة الظالم ؟

إذا كانت العقوبة في الآخرة فعلمها عند الله و إذا كانت في الدنيا فقد تكون من نفس جنس الظلم الذي أوقعه هو على غيره أو قد تكون بأي صورةٍ يشاؤها الله تعالى.

إلاّ أنني و من خلال تجاربي في الحياة رأيت الظالم يتعرض لنفس الظلم الذي أوقعه هو على غيره – سبحان الله – فلازلت أتذكر قول الله جل في علاه :

" إنَّ اللهَ يدافعُ عن الذين آمنوا " الحج 38

و أذكر كذلك قول الله تبارك و تعالى :

" وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " الأنفال 30

و أذكر قول الله تعالى :

" وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ  " النحل 127

كما أذكر المثل القائل :

" من حفر حفرةً لأخيه أوقعه اللهُ فيها "

 

فالخلاصة أنني رأيت كثيرين ظلموا و بعد فترةٍ من الزمن تعرضوا لظلمٍ مماثل من طرفٍ آخر. و قد رأيت شخصاً ظلم فأتت العقوبة في ابنه بنفس الظلم الذي جناه على غيره – سبحان الله - و القصص كثيرة ولكن أين الذين يعتبرون ؟

·       رؤيتي في نهاية المقال في الظلم و الظالم و المظلوم.

 

في رأيي أنَّ عُـمْـرَ الظلم أقصرُ من عمر الإنسان ( أي الظالم أو المظلوم ) و الظلم لا بد له من نهاية قريبة عاجلة أو بعيدة مؤجلة و الإنسان لا يعلم أين يكون صلاحه .

كثيرٌ من المظلومين يدعون بدعوة معينة على الظالم و في رأيي أنَّ مقولة (( حسبي الله و نعم الوكيل )) أفضل و بكثير لأنَّ المظلوم عندما يدعو بدعوة معينة لنفسه أو على الظالم فإنَّ حدود عقله و إدراكه لا يتجاوز المحسوسات و لا يتخيل حجم النتائج و ما ستكون عليه الأمور بخلاف لو أنَّ المظلوم فوض أمره لله و قال (( و أفوض أمري لله إنَّ الله بصيرٌ بالعباد )) فإنَّ الله سيدبر الأمور بطريقة لا يفهمها المظلوم و لا يدركها إلاّ في وقتٍ متأخر و قد لا يفهمها على الإطلاق, المهم أنْ يعلق قلبه بالله و يثق به و أنه سينصره لأنه مظلوم و ستأتي النتائج بإذن الله أفضل مما كان يرجو و يتصور.

 

إنَّ شعور المظلوم بالرغبة في الانتقام من الظالم شعورٌ مدمّر فكلما عاش المظلوم بعيداً عن هذا الشعور كلما أراح نفسه. فقط يكفيه أنْ يسأل الله دفع الظلم عنه و ينصره , ولنا في سيرة سيد البشر محمد صلى الله عليه و سلَّم أروع الأمثلة التي لا تصلح للمسلمين فقط بل تصلح للبشرية اقتداءً .

فعندما دخل مكَّة قال لكفار قريش الذين آذوه لمدة 13 سنة منذ أنْ قال له سيدنا جبريل ( اقرأ ) و أجابه ( ما أنا بقارئ ) حتى هاجر مع سيدنا أبي بكر الصديق من مكة إلى المدينة .. قال لهم : ( ما تظنون أني فاعلٌ بكم ؟ ) قالوا ( أخٌ كريم و ابنُ أخٍ كريم ) قال : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) . هكذا هم العظماء لا يحملون الرغبة في الانتقام معهم.

 

إذا تراجع الظالم عن ظلمه و أدرك خطأه و رد المظلمة و بعد ردها استسمح من المظلوم وجب على المظلوم التسامح فقد ورد في صحيح البخاري :

أنَّ الرسول- صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ » . و الألد الخصم هو الشديد الخصومة الذي لا يُستسمَحْ فيسمح .

 

إنْ أصبت فمن الله و إنْ أخطأت فمن الشيطان فأرجو المعذرة و التصويب وسائل الاتصال بي متاحة فإنْ وجدتم خطأً فلا تترددوا بالاتصال بي و تصويب الخطأ.

 

غفر الله لي و لكم

 

بو بطي    الجمعة    29/4/2011 م

 

الهاتف النقال         :      6255599   050

البريد الالكتروني     :      mohammed.alotaiba@gmail.com

الموقع على الشبكة   :      http://www.malotaiba.com

 

عزيزي القارئ يمكنك تنزيل المقال بصيغة بي دي أف و ذلك بالضغط على الصورة أدناه

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

214

 العدد الكلي:

986984

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2024 الموقع الفرعي