الإرتباطات الخاطئة

الإرتباطات الخاطئة

نقيس مدى صحة الإنسان العقلية و النفسية بمدى تناسب ردود الأفعال مع الأحداث المحيطة به .

فكلما كانت ردود الأفعال طبيعية إزاء الأحداث المحيطة كلما حكمنا على الإنسان بأنه طبيعي والعكس صحيح, فالإنسان الذي يعاني من اضطرابات نفسية أو عقلية فمن المرجّح ألاّ تكون ردود أفعاله طبيعية .

 

أنواع الاختلال في ردود الأفعال:

1.      ردود الأفعال السلبية. و هي أقواها دلالةً على الاختلال.

المثل رقم 1 : لاعب كرة قدم تعرض فريقه للهزيمة فتجد ردة فعله أنه يضحك و بقوّة!

المثل رقم 2 : صديق يقدم له صديقه هدية فتجد ردة فعلة أنه يشتاط غضباً و يصرخ في وجهه!

2.      ردود الأفعال الموجبة بلا تناسب.

المثل رقم 1 : رجل يُبلّغ بوفاة أبيه فتكون ردة فعله الوجوم بلا دمعة.

المثل رقم 2 : طالب يُبلّغْ بنجاحه بالثانوية العامة فتكون ردة فعله ابتسامة و يسترسل فيما كان فيه .

 

و في الحقيقة أنَّ ردود الافعال التي لا تتناسب مع المواقف تنشأ نتيجة فهم المحيط و معالجة المعطيات بطريقة خاطئة, و يعتبر موضوع اليوم (( الارتباطات الخاطئة )) أحد أبسط أسباب توجيه السلوك الإنساني لا موضوعياً و أكثرها شيوعاً.

 

و المقصود بالارتباطات الخاطئة هو الفهم الخاطئ الذي ينجم عنه الربط بين أمرين متغيرين و استخلاص نتيجة خاطئة و الاسترشاد بها استرشاداً مضللاً و الوقوع في المزيد من الأخطاء مستقبلاً.

 

دعونا نستعرض بعض الحالات التي تصلح كأمثلة على الارتباطات الخاطئة.

 

المثل رقم (1) : الربط بين الزيارة و المودّة

يعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ الزيارة دلالة على وجود الودّ و القطيعة دلالة على الكراهية و في الحقيقة أنَّ هذا يعتبر أحد الارتباطات الخاطئة , فليس كل من تردد على مجلسك و زارك في بيتك كان يحمل لك في قلبه المودّة فقد تكون دوافعه الإنتفاع من آنياً أو تمهيداً للانتفاع المستقبلي أو يكون مدفوعاً إليك من قبل أعداءك بقصد التجسس عليك و نقل أخبارك و أقوالك و أفكارك .

كما أنَّ القطيعة لا تعني بالضرورة انعدام المودّة فقد ينقطع عن زيارتك من يحمل لك في قلبه الكثير من المودة و التقدير و الاحترام و لكم تحول ظروف الحياة دون التلاقي.

 

المثل رقم (2) : الربط بين ( الجهد و العلم و الكفاءة و الخنوع ) من جهة و الرزق من جهةٍ أخرى

  •     معظم الناس يعتقدون أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الجهد و الرزق وهذا الارتباطُ ارتباطاً طردياً أيْ كلما زاد جهدُ الانسانِ و اجتهادِه كلما زاد رزقُهُ, و في الحقيقة أنَّ هذا الارتباط يعتبر خاطئ فالجهد الذي يبذله عامل النظافة في الشارع يفوق الجهد الذي يبذله المدير العام و بالمقابل نرى رزق المدير أعلى بكثير من رزق عامل النظافة.
  •     كما أنَّ معظم الناس يعتقدون أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين العلم و الرزق وهذا الارتباطُ ارتباطاً طردياً أيْ كلما زاد علمُ الانسانِ كلما زاد رزقه بينما أثبت الواقع الذي نعيشه أنَّ هناك آلاف من الذين يستعيضون عن التوقيع بالبصمة يمتلكون ملايين الدراهم و كثيرين ممن يحملون أعلى الشهادات العلمية كالدكتوراه في الاقتصاد و المحاسبة و إدارة الأعمال هم أفشل الناس في التجارة و يعانون من شظف العيش. 
  •     و ما انطبق على الجهد و العلم كذلك ينطبق على الكفاءة فقد أثبت الواقع الذي نعيشه أنَّ معظم الكفاءات في الهرم الإداري لكثير من الوزارات و الدوائر الحكومية و حتى الشركات تتكدّس في أسفله و معظم الذين يتربعون على كراسي اتخاذ القرار  هم من ضعفاء الكفاءة.
  •     وكذلك الخنوع , إذا يرى الكثير من الموظفين أنَّ الخنوع للرئيس المباشر و الإنبطاحية للمدير العام كفيل بجلب الترقيات و توزيع المكافآت و ازدياد الرزق و في الحقيقة أنَّ هذا الارتباط يعتبر خاطئ فقد شهدت العديد من الوقائع التي رأيتُ فيها المنافقين و المتزلفين لرؤسائهم يُقصون بعد فترةٍ من الزمن و العكس صحيح.

 

المثل رقم (3) : الربط بين الحب و الوفاق.

يظن كثيرٌ من الأحباب أنَّ الحبَّ كفيلُ بإنجاح العلاقات , سواءً كانت علاقة زواج أو علاقة صداقة وقد أثبت الواقع أنَّ هذا الارتباطَ ارتباطٌ خاطئ ففي كثيرٍ من الأحيان قد لا يتوافق متحابان في السفر أو في العمل أو في البيت و تنشأ بينهما العديد من الخلافات نتيجة اختلاف الرغبات أو العادات وقد ذكرتُ هذا في موضوعٍ سابق بعنوان (( الحب و إكليله ))

 

هناك الكثير من الأمثلة على الارتباطات الخاطئة لسنا في معرض سردها و لا حصرها, فقط اكتفينا بضرب ثلاثة أمثلة للتوضيح.

 

* ما موقع (( الارتباطات الخاطئة )) بين سوء الظن و الفراسة؟

مشاهدة الانسان مسالك الآخرين غير الطبيعية تقودك إلى محاولة تحليلها فإمّا تحظى بتوفيق الله تعالى و تصدق فراستك و إمّا يوقعك الشيطان في سوء الظن , لذلك فإنَّ (( الارتباطات الخاطئة )) أقرب إلى سوء الظن منها إلى الفراسة.

 

وطالما كانت الارتباطات الخاطئة ذات تأثير سلبي على المجتمع ونمو العلاقات الاجتماعية فلا بد من محاولة تلافيها و تجنبها.

 

* كيف تتجنّب الارتباطات الخاطئة؟

بنور الله و هدايته و من ثم بالدراية عن طريق السؤال.

 

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ )) صحيح البخاري .

 

كما قال صلى الله عليه و سلم (( اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ )) . سنن الترمذي.

 

هذا و أتمنى لكم الصحة و العافية

محمد بن سيف العتيبة بو بطي

0554000060

الثلاثاء 11-9-2012

 

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

556

 العدد الكلي:

1032441

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2025 الموقع الفرعي