توحد أوروبا توحد يستحق التقدير

توحد أوروبا توحد يستحق التقدير

نشبت الحرب العالمية الثانية في أوروبا في 1-9-1939 و بغزو ألمانيا كلاً من بولندا و سلوفاكيا و انتهت باستسلامها بعد سقوط برلين في 8-5-1945 على يد الإتحاد السوفيتي أيْ إنَّ الحرب استمرت في أوروبا قرابة الـ 6 سنوات و قُدِّرت ضحايا الحرب في أوروبا بنحو 20 مليون نفس بشرية ما بين مدني و عسكري.

و بعد انتصار الحلفاء على دول المحور اقتسم المنتصران دول أوروبا فكراً و اقتصاداً و هيمنةً. فأهم دولتين من بين دول الحلفاء و اللتين حسمتا المعارك هما السوفيت بدخولها برلين و الولايات المتحدة الأمريكية بدخولها فرنسا منتصرين بدخولهم على الألمان , وبذلك هيمنت السوفيت على دول أوروبا الشرقية كلها و هيمنت أمريكا على دول أوروبا الغربية, ولكون الحليفان يتبنيان فكراً إيديولوجياً متناقضاً ( السوفيت الاشتراكية و أمريكا الرأسمالية ) و بسبب تخوف كل حليف من الآخر فقد بدأت الحرب الباردة بينهما بعد ما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها و استمرت حتى سقوط الإتحاد السوفيتي و تفككه في سنة 1991 .

بتطور وسائل الاتصال و تقدم التكنولوجيا تقاربت الأفكار بين الأضداد في أوروبا عبر السنين و أصبحت شعوب أوروبا تتطلَّع للوحدة رغم وجود القلق من عدم نجاحه و رغم المعوقات الاجتماعية و الاقتصادية و الإيديولوجية و السياسية و العرقية و الدينية.

شنقن (Schengen‏) هي قرية صغيرة في دولة لكسمبورج عدد سكانها لا يتجاوز 2,000 نسمة تقع في الجنوب الشرقي من لوكسمبورج ، قرب نقطة التقاء حدودها مع ألمانيا و فرنسا. وقعت 5 دول اتفاقية عرفت باتفاقية شنقن فيها في 14-6-1985 و تهدف إلى إلغاء الحدود بين الدول الأعضاء و توحيد الجمارك و توحيد تأشيرة الدخول بينهم ( الفيزا ) و الدول هي ( هولندا و بلجيكا و لكسمبورج و ألمانيا و فرنسا ). إلاّ أنَّ تطبيق الاتفاقية استغرق 5 سنوات منذ توقيعها و اقتصر التطبيق على ( هولندا و بلجيكا و لكسمبورج ) و التي أطلق عليها دول البنالكس . استمر السوّاح في التنقل بين هذه الدول الخمس بلا إعاقة نقاط الحدود بعدما رفعت . استمر هذا الوضع حتى إبرام اتفاقية أمستردام التي وُقِّعَت في 2-10-1997 م و التي دخلت حيز التنفيذ في 1-5-1999 و قد تناولت عدة محاور من بينها حقوق الفرد و المواطنة و زيادة سلطة البرلمان الأوروبي و الحريات و العدل و الأمن و السياسة الخارجية و غيرها . و بذلك تكون هذه الاتفاقية قد عدِّلت الكثير من بنود اتفاقية الإتحاد الأوروبي ( اتفاقية ماسترخت ) التي وُقِّـعَـتْ سلفاً في 7-2-1992 م.

لا أريد عرض التسلسل التاريخي لتطور أحداث الزحف نحو الوحدة بقدر ما أريد تسليط الضوء على نتائج مساعي التوحد المرحلي الرامي للتوحد الشامل في أوروبا. فقد استفادت الشعوب الأوروبية و حكوماتها مما تم التوصل إليه , و يقاس مدى نجاح أي اتفاقية في العالم بمدى قابليتها للتطبيق و مدى معالجتها للمشاكل القائمة و مدى تطبيقها على أرض الواقع. و لوجود رغبة جامحة لدى الشعوب و الحكومات الأوروبية بضرورة إنجاح مساعي التوحد فقد تم ترجمت تلك الرغبات إلى ما يلي :

1 – تمت إزالة جميع نقاط الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي و عددها 30 دولة تقريباً و بالتالي يمكنك كسائح التنقّل بين أي دولة من الدول الأعضاء بالسيارة بدون أنْ تستوقفك نقطة حدود. فعندما تنتقل من ألمانيا إلى بلجيكا مثلاً ... فقط تلاحظ أنِّ تصميم الشوارع قد اختلف ( هذا إذا كنت قوي الملاحظة ), تماماً كما تنتقل بين دبي و الشارقة فلا حدود بينهما فقط تلاحظ اختلاف تصميم الشوارع و المدينة و ذلك بسبب اختلاف البلديات .

2 – تم توحيد الجمارك إلى 17.5% و تم إلغائها بين الدول الأعضاء مما كان له أفضل الأثر على رواج التجارة البينية بين دول أعضاء الإتحاد .

للاستزادة و الدخول في التفاصيل يمكنك زيارة موقع إتحاد الضرائب و الجمارك للإتحاد الأوروبي على الشبكة :

http://ec.europa.eu/taxation_customs/customs/customs_duties/index_en.htm

3 – تم تبني علم موحد لدول الاتحاد الأوروبي و هو العلم الأزرق ذا النجوم الصفراء التي على شكل دائري.

4 – تم توحيد تأشيرة الدخول للسائحين و أطلق عليها فيزة الشنقن . و تم توحيد اشتراطات منح تأشيرة الدخول بين كل الدول الأوروبية.

5 – تم إلغاء جميع العملات الأوروبية المستخدمة قبل الإتحاد مثل المارك الألماني و البيزيتا الإسبانية و الفرنك الفرنسي و حل محلها (( اليورو )).

6 - تم توحيد معايير قبول البضائع المستوردة من خارج دول الإتحاد.

كانت تلك أهم نتائج الإتحاد و لازالت الشعوب الأوروبية تنتظر التوحد على المستوى العسكري و السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي لدراجاتٍ تقارب التمام .

كان ما تقدَّم ضرورياً للدخول إلى صلب الموضوع المستهدف, فبالنظر إلى معوقات التوحد الأوروبي نجدها كثيرة و متنوعة و متشعبة و هي كما يلي :

1 – الدماء التي لمْ تجفْ .

لمْ تمضِ إلاّ 66 سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية ( 2011 – 1945 = 66 ) و على المجازر المروعة التي ارتكبها بعضهم في بعض و هناك من شهد الحرب و لازال على قيد الحياة إلى يومنا هذا و لازال بعضهم يحتفظ بذكريات الحرب الأليمة , تلك الذكريات التي لو تذكرها الأوروبيون لما مضوا نحو التوحد ولكنهم تناسوها و رموا الماضي خلف ظهورهم و تطلعوا لمستقبلٍ مشرق.

2 – الأعراق المختلفة.

توجد ثلاث أعراق رئيسيَّة في أوروبا و هي كما يلي :

سكان الشرق

سكان الشمال

سكان الجنوب

العرق اليوغسلافي

العرق الأنجلو سكسوني

العرق الروماني

 

العرق اليوغسلافي يمثل سكان دول شرق أوروبا مثل المنحدرين من السوفيت و سكان فنلندا و الشيك و سلوفاكيا و أوكرانيا و المجر و رومانيا و الصرب و اليونان. (ذوو الشعور السوداء و الشقراء و البشرة البيضاء)

العرق الأنجلوسكسوني يمثل سكان دول شمال أوروبا مثل النمساويين و الألمان و البلجيك و الهولنديين و الدول الإسكندنافية (ذوو الشعور الشقراء و البشرة الحمراء)

العرق الروماني مثل سكان أوروبا الجنوبية مثل إيطاليا و إسبانيا و البرتغال و مالطا (ذوو الشعور السوداء و البشرة البرونزية)

بالإضافة إلى أعراق تشكل أقليات مثل العرق القزويني و التركي و اليهودي و أعراق مختلطة بين مجمل الأعراق و أعراق حديثة مثل المجنسين من العرب و الآسيوين و الهنود و الأفارقة.

3 – التاريخ المليء بالدماء.

بالنظر للتاريخ الأوروبي نجد أنَّ الحرب العالمية الثانية كانت أشد الحروب الأوروبية و لكن هناك مئات المعارك دارت رحاها بين سكان أوروبا في إطار حكم الممالك و المملكات القديمة.

4 – تعدد الأديان.

تشكل المسيحية الديانة الأكثر انتشاراً في أوروبا ولكن الإسلام موجود ويقدَّر حالياً المسلمون بنحو 50 مليون نسمة و اليهودية موجودة و يقدَّر عدد اليهود في أوروبا بنحو 5 ملايين نسمة و الملحدين أقدرهم أنا شخصياً بنحو 200 مليون بالإضافة للأقليات من الهندوس و عبدة الشيطان و غيرهم.

 

5 – تعدد المذاهب.

ينقسم الدين المسيحي إلى مذاهب كثيرة أهمها ما يلي:

المذهب

الدول التي ينتشر فيها المذهب

تعليق جانبي

الأرثـذوكـــسي

دول أوروبا الشرقية مثل رومانيا و أوكرانيا..

الأكثر ميلاً للمسلمين

الكــاثـولـيـكي

دول أوروبا الوسطى مثل إيطاليا ألمانيا ..

الأقل ميلاً عن المسلمين

البـروتـسـتانـتي

دول غرب أوروبا مثل بريطانيا..

الأكثر ميلاً عن المسلمين

و بالنظر للتاريخ و لاختلاف المذاهب فقد حدثت خلافات عميقة بين شعوب المنطقة انتهت بعضها بالحروب و القطيعة .

6 – تعدد اللغات.

تنحدر معظم اللغات الأوروبية من اللغة اللاتينية. و نستطيع تلمس التشابه الموجود بين هذه اللغات مثل:

الدولة

اللغة

الجملة

اللفظ

الترجمة

ألمانيا

الدويْـتش

Guten Morgen

قوتن مورقين

صباح الخير

هولندا

الفلامش

Goedemorgen

قودي مورقين

صباح الخير

السويد

السويدية

God morgon

قُـدْ مورقون

صباح الخير

بريطانيا

الإنجليزية

Good morning

قود مورنينق

صباح الخير

 

إلاّ أنَّ الفرق قائم و لا يمكن لأي مواطن أنْ يفهم لغة الدولة الأخرى إلاّ إذا كان دارساً أو ممارساً .

7 – الاقتصاد المتفاوت.      

فألمانيا و فرنسا و إيطاليا هي أغنى دول الإتحاد الأوروبي و لكن هناك دول متوسطة مثل بلجيكا و هولندا و اسبانيا و البرتغال و أخرى ضعيفة مثل اليونان و سلوفاكيا و غيرها..

فهذا التفاوت في الاقتصاد يشكل عقبة حقيقية أمام التوحد الاقتصادي على وجه الخصوص فالدول الضعيفة التي يعتمد اقتصادها إلى حدٍ كبير على الجمارك و الضرائب يصعب عليها تخفيض النسب الجمركية و النسب الضريبية التزاماً بالتوحيد الضريبي و الجمركي بينما لا تجد الدول ذات الاقتصاد القوي مشكلةً كبيرة في تخفيض أو رفع الضريبة أو الجمرك لأنَّ اقتصادها قائم على الصناعة و الزراعة و التجارة ولا تعتمد على العوائد الضريبية و الجمركية إلاّ في حدود الـ 7% من دخل الدولة خلافاً لتلك الدول الضعيفة التي قد يُـشَـكّـل الاعتماد على الضرائب و الجمارك فيها إلى 40% من دخل الدولة.

تتطلّع الشعوب العربية للوحدة العربية الشاملة لسببٍ واحد وهو أنها ترى في الوحدة قوةً تخرجها من الضعف إلى القوة و من الخضوع إلى العزة و من التبعية إلى الهيمنة. و لأنَّ العربي عزيز بفطرته و تكوينه فإنَّ تطلعه للوحدة أكثر من أي عرقٍ آخر .

و لنرى عوامل الوحدة العربية بالمقارنة مع معوقات الوحدة الأوروبية:

1 – عدم وجود ضغائن حرب أو غيرها.

لم تكن بين الدول العربية أي حروبٍ في الماضي بخلاف بعض المناوشات التي تحدث بين الحين و الآخر بين القبائل. كما لم تشارك الدول العربية في الحرب العالمية الثانية لأنها كانت مستعمرة, لذلك لا توجد أي ضغائن بين الشعوب العربية تحول دون اندفاعها نحو الوحدة المنشودة.

يأتي هذا خلافاً للحروب التي دارت رحاها بين الدول الأوروبية و تناسوها ليتوحدوا.

2 – العرق العربي.

كل الدول العربية يجمعها دمٌ واحد وهو الدم العربي و يأتي هذا خلافاً لتعدد الأعراق في أوروبا و ها نحن نراهم تجاوزا ذلك التعدد العرقي و توجهوا نحو التوحد.

3 – التاريخ المليء بالتآخي .

فتاريخنا العربي الواحد مليء بالقصص التي تروي لنا تآخينا الذي يحض عليه الإسلام, فقد قال الله تعالى:

(( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )) الحجرات 10 و من تلك القصص عندما أرسل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قوات لليمن و أخرى للجزائر لمساعدة الشعوب العربية و الوقوف بجانبها و لو لم يكن يشعر بتلك الأخوة لما أرسل أبناء شعبه للقتال بجانب الشعوب العربية الشقيقة و القصص كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.

يأتي هذا خلافاً للدماء التي جرت أنهارها بين الأوروبيين و على الرغم من هذا توحدوا.

4 – معظم الشعوب العربية ارتضت الإسلامَ ديناً .

لا ننسى المسيحيين و غيرهم لكن المسلمين لا يقلون عن 90% من العرب.

و بالمقابل نجد في أوروبا خلافاً لذلك تعدد الأديان و كثرة الملحدين و على الرغم من هذا توحدوا.

 

5 – وحدة المذهب.

معظم المسلمين العرب على سنة رسول الله صلى الله عليه و سلَّم و بما لا يقل عن 90% من المسلمين في حين نرى تعدد المذاهب في أوروبا و على الرغم من هذا توحد الأوروبيون.

6 – وحدة اللغة العربية.

كل الدول العربية تتحدث اللغة العربية, صحيح توجد لهجات و لكن اللغة الرسمية لجميع الدول العربية هي اللغة العربية و علاوةً على هذا فإننا نفهم لهجاتنا. في حين نرى تعدد اللغات في أوروبا و على الرغم من هذا توحدوا.

7 – تقارب الاقتصاد الإقليمي العربي   

فدول الخليج العربي اقتصادها متقارب و كذلك دول الشام اقتصادها متقارب و كذلك دول المغرب العربي اقتصادها متقارب أيضاً مما يشجع على التوحد الاقتصادي إقليمياً على أقل تقدير في المرحلة الأولى ريثما تتقارب الاقتصاديات العربية كلها تمهيداً للوحدة الاقتصادية المنشودة.

الخلاصة:

لدى الأوربيـين معوقات كثيرة تعيقهم دون التوحد ولكن توحدوا.

ولدينا نحن العرب دوافع كثيرة تدفعنا نحو التوحد ولكن لم نتوحد.

و في تقديري فإنَّ توحد الأوربيـين يستحق الاحترام و التقدير فقد ضربوا للعالم مثلاً في التسامح و التصميم على رسم مستقبل مشرق قوامه المنطق السليم.

بيد أنَّ العربي لازال يحتاج لتأشيرة دخول ليتمكن من دخول دولة عربية شقيقة, و لازالت الحدود البرية موجودة, و لا تزال لكل دولة عملتها, و لا يزال لكل دولة علمها و غير ذلك الكثير ..

أقول في نهاية مقالي إذا لم يكن من الممكن الوصول للوحدة العربية الشاملة التامة فعلى أقل تقدير نسعى نحو الوحدة الجزئية كأن يحدث التوحد على المستوى الاقتصادي و نتحدث عن المستويات الأخرى على ضوء مدى نجاح التوحد الاقتصادي.

وفقني الله و إيّاكم إلى كل خير.

محمد العتيبة   بو بطي  6255599    050          الثلاثاء      24-5-2011

الموقع على الشبك                             http://www.malotaiba.com

عزيزي القارئ إذا أردت تنزيل المقال بصيغة بي دي أف فاضغط على الصورة أدناه

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

217

 العدد الكلي:

986987

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2024 الموقع الفرعي