بشارة الله جل جلاله للصابرين
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ 155
البقرة
تفسير ... وبشِّر الصابرين...
تفسير الجلالين:
"وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ" عَلَى
الْبَلَاء بِالْجَنَّةِ.
تفسير الطبري:
يَا
مُحَمَّد بَشِّرْ الصَّابِرِينَ عَلَى امْتِحَانِي بِمَا أَمْتَحِنهُمْ بِهِ , وَالْحَافِظِينَ
أَنْفُسهمْ عَنْ التَّقَدُّم عَلَى نَهْيِي عَمَّا أَنْهَاهُمْ عَنْهُ ,
وَالْآخِذِينَ أَنْفُسهمْ بِأَدَاءِ مَا أُكَلِّفهُمْ مِنْ فَرَائِضِي مَعَ
ابْتِلَائِي إيَّاهُمْ بِمَا ابْتَلَيْتهمْ بِهِ الْقَائِلِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَة : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ . فَأَمَرَهُ اللَّه
تَعَالَى ذِكْره بِأَنْ يَخُصّ بِالْبِشَارَةِ عَلَى مَا يَمْتَحِنهُمْ بِهِ مِنْ
الشَّدَائِد أَهْل الصَّبْر الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ . وَأَصْل
التَّبْشِير : إخْبَار الرَّجُل الرَّجُلَ الْخَبَر يَسُرّهُ أَوْ يَسُوءهُ لَمْ
يَسْبِقهُ بِهِ إلَيْهِ غَيْره .
تفسير القرطبي:
أَيْ
بِالثَّوَابِ عَلَى الصَّبْر . وَالصَّبْر أَصْله الْحَبْس , وَثَوَابه غَيْر
مُقَدَّر , وَقَدْ تَقَدَّمَ . لَكِنْ لَا يَكُون ذَلِكَ إِلَّا بِالصَّبْرِ عِنْد
الصَّدْمَة الْأُولَى , كَمَا رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصَّدْمَة
الْأُولَى ) . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم أَتَمّ مِنْهُ , أَيْ إِنَّمَا الصَّبْر
الشَّاقّ عَلَى النَّفْس الَّذِي يَعْظُم الثَّوَاب عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ عِنْد
هُجُوم الْمُصِيبَة وَحَرَارَتهَا , فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى قُوَّة الْقَلْب
وَتَثَبُّته فِي مَقَام الصَّبْر , وَأَمَّا إِذَا بَرَدَتْ حَرَارَة الْمُصِيبَة
فَكُلّ أَحَد يَصْبِر إِذْ ذَاكَ , وَلِذَلِكَ قِيلَ : يَجِب عَلَى كُلّ عَاقِل
أَنْ يَلْتَزِم عِنْد الْمُصِيبَة مَا لَا بُدّ لِلْأَحْمَقِ مِنْهُ بَعْد ثَلَاث
. وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ : لَمَّا قَالَ تَعَالَى : "
وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ " صَارَ الصَّبْر عَيْشًا . وَالصَّبْر صَبْرَانِ :
صَبْر عَنْ مَعْصِيَة اللَّه , فَهَذَا مُجَاهِد , وَصَبْر عَلَى طَاعَة اللَّه ,
فَهَذَا عَابِد . فَإِذَا صَبَرَ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَصَبَرَ عَلَى طَاعَة
اللَّه أَوْرَثَهُ اللَّه الرِّضَا بِقَضَائِهِ , وَعَلَامَة الرِّضَا سُكُون
الْقَلْب بِمَا وَرَدَ عَلَى النَّفْس مِنْ الْمَكْرُوهَات وَالْمَحْبُوبَات .
وَقَالَ الْخَوَّاص : الصَّبْر الثَّبَات عَلَى أَحْكَام الْكِتَاب وَالسُّنَّة .
وَقَالَ رُوَيْم : الصَّبْر تَرْك الشَّكْوَى . وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ :
الصَّبْر هُوَ الِاسْتِعَانَة بِاَللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو
عَلِيّ : الصَّبْر حَدّه أَلَّا تَعْتَرِض عَلَى التَّقْدِير , فَأَمَّا إِظْهَار
الْبَلْوَى عَلَى غَيْر وَجْه الشَّكْوَى فَلَا يُنَافِي الصَّبْر , قَالَ اللَّه
تَعَالَى فِي قِصَّة أَيُّوب : " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ
الْعَبْد " [ ص : 44 ] مَعَ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : "
مَسَّنِي الضُّرّ " [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] .
تعليق:
تكلمتْ
التفاسير أعلاه عن الصبر و لم تتكلم عن التبشير غير أنَّه بالثواب ... و الأمر بالتبشير في
الآية موجَّهٌ من الله ذي الجلال و الإكرام إلى محمد خير البشر صلى الله عليه و سلَّمْ
. و المطلوب تبشيرهم هم (( الصابرين )) من المؤمنين بدليل آيات متفرقات من القرآن
الكريم وردت في مواضع مختلفة إذْ قال الله جل في علاه (( و بشِّر المؤمنين )) ....
حيث وردت في الآيات التالية:
1- الآية 223 من سورة البقرة.
2- الآية 112 من سورة التوبة.
3- الآية 87 من سورة يونس.
4- الآية 47 من سورة الأحزاب.
5- الآية 13 من سورة الصف.
لأنَّ
الخوف و الجوع و نقص الأموال و الثمارات يتعرَّض له كل البشر من مؤمن و كافر .... والصبر كلٌ يصبره ... فالمؤمن يصبر و
الكافر يصبر .... ولكن بشارة الله عز وجل للمؤمن فقط. كما تؤكِّد تكملة الآية على
هذا ... إذْ أنَّ الكافر لا يقول (( إنّا لله و إنّا إليه راجعون )) فالذي يقولها
هو المؤمن فقط.
و إذا كان الأمر في الآية الكريمة (( وبشِّر الصابرين )) موجَّه
من الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فهل يعني أنَّ الأمر قد انتهى بموت
الرسول صلى الله عليه وسلَّم؟
الجواب
يكمن في أمرين:
1- أنَّ البشارة مستمرة و غير منقطعة ...
و الإستمرار قائم بحكم بقاء و ثبات القرآن الكريم . فالذي يقرأ القرآن يشعر أنَّ
الآية التي تحتوي على (( و بشِّر المؤمنين )) هي أمر من الله سبحانه و تعالى
لرسوله صلى الله عليه وسلّم و في نفس الوقت خطاب عام من الله جل جلاله لعباده المؤمنين
الصابرين و هذا مستمر إلى يوم الدين.
2- أنَّ البشارة مستمرة و غير منقطعة ...
و الإستمرار قائم بحكم أنَّ ما يتعرَّضْ له المؤمن من خوف و جوع و نقص من الأولاد
و الأنفس ليس مقتصر على المؤمنين الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه و سلَّم بل يتعرَّض
له كذلك كل البشر إلى قيام الساعة. و البشارة للمؤمنين منهم.
و إذا كانت البشارة
مستمرَّة .... فما هي كيفيَّتها ؟ ... أيْ ... كيف تأتي البُشرى ؟
كيفية البشارة
|
في عهد الرسول صلى الله عليه و سلَّم
|
بعد عهد الرسول صلى الله عليه و
سلَّم
|
بحكم ما تقدم من قول الله (( وبشِّر
الصابرين )) و استمرار قراءة المؤمنين للآية.
|
|
|
الرسول صلى الله عليه وسلَّم يقوم
بالتبشير بنفسه , كالعشرة المُبشَّرين بالجنة.
|
|
|
الرؤى ... حيث أنَّ الله جل جلاله قد
يُبشِّر المؤمن برؤيا يراها.
كرؤيا يوسف عليه السلام التي تحققت
بعد زمنٍ طويل.
|
|
|
هل البشارة فقط
بالجنة و هي أمرٌ متعلق بالآخرة أم إنَّ البشارة قد تأتي في الدنيا بأمورٍ دنيوية
؟
البشارة قد تأتي بالإثنين :
أولاً : بشارة تتعلق بالآخرة:
كقوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ
بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )) آل عمران 21
و كقوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ))
فصِّلت 30
ثانياً : بشارة تتعلَّق بالحياة
الدنيا:
كقوله تعالى : (( غُلِبَتِ
الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
﴿3﴾فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾ )) سورة الروم
وقد حدث
روى البخاري في صحيحه بشرى دنيوية بشَّر
بها الرسول صلى الله عليه و سلَّم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ
كِسْرَى بَعْدَهُ ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ ، وَالَّذِى نَفْسِى
بِيَدِهِ ، لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ » .
وقد حدث.
ما هو المتغيّر في
البشرى ؟
بالرجوع
إلى ( كيفية البشرى ) أعلاه نجد أنَّ البشارة المتغيرة هي الرؤيا فقط.
الأولى
(( وبشر الصابرين )) هي بشارة عامة للمؤمنين الصابرين بالجنة و الثواب.
و
الثانية ( بشارات الرسول ) صلى الله عليه وسلم .. مكتوبة و محددة في كتب الأحاديث
و لا تتغير.
و
الثالثة ( الرؤى ) وهي تتغير ... فالبشارة
التي يبشرُ بها اللهُ عبدَهُ تعتمد على الرؤية و تفسيرها, و هي تختلف من شخصٍ
لآخر.
كأنْ
يرى عبدٌ في منامه رؤيا تُفسَّر بالحج و بالفعل بعد فترة يحج ,,, أوْ كأنْ يرى
عبدٌ في منامه رؤيا و تُفسَّر بالسفر و بالفعل بعد فترة يسافر .
أسأل الله أن يبشرنا بالجنة ...
محمد بن سيف العتيبة بو بطي 00971554000060 الخميس 28-1-2016
المقال بصيغة PDF
|