الحب و إكليله

الحُبُّ و إكليله

الحديث عن الحب طويل و شيّق أستهلها أولاً بالعناوين الفرعية التالية:

تعريف الحب

تعريف الحب : و هو مدى مقدرة المُحبِّ على التضحية لأجل المحبوب .

فمن السهل أنْ يُعبِّر إنسانٌ لإنسانة عن حبه لها ولكن إذا كانت مصابة ( بفشل كلوي ) هل يستطيع التضحية بإحدى كليتيه لها؟ و في نفس الوقت دعونا نتخيّل أنَّ أمَّ هذا الإنسان هي التي مصابة بالفشل الكلوي , هل تعتقدون أنَّ هذا الإنسان سيتردد في منحها إحدى كليتيه؟.

فالمعيار و المحك الحقيق الذي يمكن اختبار مدى صدق المحبة هو ((( التضحية ))).

الفرق بين الإعجاب و الود و الحب و العشق و الهيام

كل المصطلحات أعلاه تحمل نفس المعنى الكلي إلاّ أنها تتدرج تصاعدياً بنفس الترتيب أعلاه في شدة الحب .

و الإعجاب هو شعورٌ بالقبول و الميل لشخصٍ ما أو لشيءٍ ما فتقول (( أعجبني ذلك البيت ))

و الود هو كالحب و الفرق أنَّ الحب أكثر من الود . قال الله تعالى :

((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)) مريم 96 و الود هنا بمعنى الحب. أي سيجعل لهم محبّة في قلوب الناس .

و العشق أشد من الحب . حتى أنَّ العاشق لا يستطيع التحكم في تصرفاته و لا كلامة بحيث يخفي حبّه فالعاشق يكشف أسراره بلا شعور منه.

و أمّا الهائم فهو الذي يهوم حباً على وجهه في البراري يحدث نفسه و هي مرحلة ما قبل الجنون.

 

أنواع الحب

يتنوّع الحب إلى عدة أنواع ويعتمد كل نوع على نوع الاقتران الرئيسي به. وذلك كما يلي:

1.      حب الله تبارك و تعالى.

و هو الحب النقي الذي لا يقترن بأي شيء . وحب الجنّةِ حُبٌ منفصلْ عن حب الله فالملائكة تحب الله كذلك فهل حبها لله مقترن بحب الجنّة و تمنّيها ؟

2.      حب الرسول محمد – صلى الله عليه و سلّم

و هو الحب المُسَبَّبُ فهو الرسول و هو الشفيع المشفَّع و هو الذي بلغ الرسالة و أدى الأمانه و هو الصادق الأمين الذي ضرب لنا الأمثال في رقي الأخلاق و هو القدوة الحسنة.

3.      حب الوالدين و الأخوة.

و هو الحب المقترن بالقيم و الأخلاق و على رأسها الوفاء.

4.      حب الزوجة.

و حب الزوجة مقترن بالجنس , لذلك فإنَّ غياب الجنس بين الزوجين قد يؤدي إلى الطلاق أو فتور العلاقة.

5.      حب الخير. ( الخير حال و ليس انسان ولذلك لا يدخل في صميم موضوع اليوم )

6.      حب المال. ( المال نعمة و ليس انسان ولذلك لا يدخل في صميم موضوع اليوم )

7.      حب الجمال . ( الجمال صفة و ليس انسان ولذلك لا يدخل في صميم موضوع اليوم )

و الحب لا يعرف حدود فمن الممكن أن يحب الانسان الجنّة و التميّز و البحر و الصقر و النهر و بلدٍ ما و فاكهةٍ ما و الكتف من الشاة و السنام من البعير و هكذا ... غير أنَّ ما ذكرته في السبع نقاط أعلاه هي الأنواع الرئيسيّة للحب.

 

موضع الحب

موضع الحب هو القلب و هو بيته ومسكنه

مفاهيم خاطئة ذات علاقة بالحب

وما دعاني اليوم إلى تناول عنوان الموضوع أعلاه هو دخول مفاهيم خاطئة إلى أذهان الناس, إلى أنْ استطاع الزمن بحكم طول بقاءها في الأذهان أنْ يحوّلها من مفاهيم إلى اعتقادات راسخة وربما كان الأمر مخططاً له أو لم يكن.

من تلك المفاهيم الخاطئة:

  •     أنَّ الإنسان يحب لمرّةٍ واحدة فقط في عمرة.
  •     وأنَّ الإنسان لا يمكن أنْ يحب إلاّ إنساناً واحداً في نفس الوقت.
  •     و الحب عذاب.
  •     و الحب يجعل المحب متوافق مع المحبوب .

و مفاهيم خاطئة كثيرة غيرها لا يمكنني حصرها.

و في الحقيقة أَنَّ الإنسان يمكن أنْ يحب أكثر من مرّة في حياته حتى لو حبَّ 60 مرة فلا ضير في ذلك . كما أنَّ الإنسان يستطيع أنْ يحب أكثر من شخص في آنٍ واحد.

فكما لا يتجزَّأ حب الوالدين للأولاد و ينقص بازديادهم فإنَّ حب الزوج لزوجته لا ينقص و يتجزَّأ بازدياد عدد زوجاته. بمعنى أنَّ الأب إذا كان له ولد واحد و يحبه بنسبة 100% فإنَّ هذا الحب سوف لن ينقص بمولودٍ جديد فيصبح الأب يحب ولده الأول بنسبة 50%  الثاني بنسبة 50%. بل سيبقى حب الأب للأول 100% وكذلك الثاني 100% .و ما ينطبق على الولد ينطبق على الزوجة و أمّا عنْ أنَّ الحب عذاب فهذا ليس صحيحاً بل الحب نعيم و يصبح عذاباً ( على وجه المبالغة ) في حالات استثنائيّة كالحب من طرف واحد أو موت الأمل باختلال الموازين الاقتصادية و الاجتماعية و العقلية بين الطرفين أو وجود عوائق بين الطرفين كالدين أو سياسة الدولة.

أبياتُ شعرٍ قيلت في الحب

يعتبر الغرض الأول للشعر هو  الغزل و أكثرها شيوعاً. و الغزل منبثق عن الحب و قد قال الشعراء أبياتَ شعرٍ في الحُبِّ لا حصر لها ولكن أذكر ما لا يغيب عن بالي:

قال عنتر بن شداد:

ولقد   ذكرتك  و  السيوفُ  نواهلٌ

 

منّي و بيضُ الهِنْدِ تقْطُرُ  من   دَمي

فودَدْتُ     تَقبيلَ   السيوفِ   لأنها

 

لمعتْ    كبارقِ     ثغْرِكِ    المُتَبَسِّمِ

 

وقال قيس بن الملوح (مجنون ليلى):

أَمُـرُّ     عَلَـى    الدِّيَـارِ    دِيَـارِ    لَيْلَــى

 

أُقَبِّــلُ   ذَا   الجـِدَارَا   وَذَا   الجــِدَارَا

وَمَـا   حُـبُّ   الدِّيَـارِ   شَغَفْـنَ   قَلْبِـي

 

ولَكِـنْ   حُـبُّ  مَنْ   سَكَـنَ    الدِّيَـارَا

 

قال أبو تمام:

نقّلْ فؤادَكَ حيثُ شِئْتَ مِنَ الهوى

 

ما    الحُبُّ   إلاّ    للحبيبِ    الأوَّلِ

كَمْ مَنْزِلٍ في  الأرضِ  يَعْشَقُهُ  الفتى

 

و   حنينُهُ   أبداً      لأوَّلِ      مَنْزِلِ

 

الحب و الوفاق.

إنَّ وجودَ الحب بين شخصين لا يعني بالضرورة وجود وفاقٍ بينهما. والوفاق يكون في الأفكار و القناعات و الطباع و الرغبات فمن الممكن أنْ تحب صديقك ولا تود السفر معه بسبب  معرفتك المسبقة بعدم الوفاق و من الممكن أنْ تحب أخيك و لا تتوافق معه في الآراء .

فمثلاً : سافرت مع أخي و اتفقنا على استئجار سيارة . أنا أريدها رياضية و هو يريدها عائلية أو أردنا الغداء في مطعم . أنا أريد مطعم لبناني و هو يريد مأكولات بحرية و عدم التنازل يضخّم من عدم الوفاق ولكن انعدام التوافق لا يعني انعدام الحب فأنا أحب أخي و أخي يحبني و لكن نتجنَّب السفر معاً.

 

الحب و الجمال.

 

غنَّت أم كلثوم (( القلب يعشق كل جميل )) مما يدل على أنّ هناك علاقة وثيقة بين الحب و الجمال . ولكن الجمال ينقسم إلى جمال المظهر و جمال الجوهر فمن الناس من يحب لجمال المظهر و منهم من يحب لجمال الجوهر و منهم من يحب لجمالهما معاً . وكما أنَّ الجمال نسبي وتختلف معاييره فإنَّ الحب أعمى و تختلف أسبابه. كما أنَّ الزمن يجعل المظهر يهرم و يشيب ويصقل الجوهر  فيزيده جمالاً.

 

الحب و الطموح

 

قد يحب الإنسانُ شيئاً أو أمراً أو إنساناً و لا يطمح أنْ يصل إليه و لا تعارض في ذلك.

فقد يحب خالد أمريكا و لكن لا يطمح بالسفر إليها.

 

الحب و الوصال.

 

يعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ الوصالَ دليلٌ على الحب و العكس صحيح و في الحقيقةِ أنَّ هذا الاعتقادَ اعتقادٌ خاطئ فلربما محبٌ قطع وصاله لانشغاله بأمور دنياه أو لبعده المكاني و لربما يصلك من يصلك بدافع

المصلحة.

وقديما قلتُ في بيت شعر:

 

ليس   كل     من   جاك    وَدّيدِك

 

و  لا    بعيدك     وِدِّه      افراقك

 

 

 

ولهذا يجب على الانسان أنْ لا يُفسّرَ انقطاعُ صديقٍ عنه على إنه كره أو عدم حب و كذلك يجب على الانسان أنْ لا يَغتَرّ فيفسر اتصال الناس به على أنه وُدٌّ و حب , ولهذا يُصدم كثيرٌ من الناس بتصرفاتِ أناسٍ كانوا يعتقدون بحبهم.

 

الحب و الثبات

 

ما سُمي القَلْبُ قلباً إلاّ لتقلّبهِ بين الحب و الكراهية فمن المحتمل أنْ يحبَ صديقٌ صديقَه في وقتٍ معيَّن ويكرهَهُ في وقتٍ آخر و العكس صحيك .كما يؤكِّد ذلك المثل المصري القائل:

 

ما محبة إلاّ من بعد عداوة

 

ومن الأدعية الشهيرة : ‏اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي علي دينك ..

كما أنَّ الحب يزيد و ينقص في قلب الانسان شأنه في ذلك شأن الإيمان لأنَّ الإيمان أيضاً موضعه القلب .

 

الحب و الوفاء.

 

الوفاء هو الالتزام بالعهد أو الوعد وهو في مفهوم الناس حفظ الجميل و ردّه.

قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) الفتح 10

 

و عند المتحابين فإنَّ الحب يعتبر معاهدة غير مكتوبة بين الطرفين بعدم ترك أيٍ منهما الآخر ولكن عندما نأتي للواقع الذي تعيشه فإننا قليلٌ ما نرى الحب يصل يصاحبه أعلى درجات الوفاء . بل إنَّ الكلب في كثيرٍ من الأحيان يكونُ أكثر وفاءً من الانسان ولازال العالم يرى في قصّة الكلب هاتشيكو أعظم قصة وفاء. تلك القصة التي أبكت الملايين من الناس حيث انتظر  الكلب هاتشيكو صاحبه عند محطة القطار التي ودعه عندها مدة 10 سنوات حتى مات الكلب و بني له تمثال عند باب محطة القطار .

 

http://www.souqaldoha.com/vb/t116932.html

 

ومن شدة تأثر العالم و مجتمع الأمريكي بالقصة فقد أنتج فلم درامي باسم الكلب HACHIKO ولكن للأسف فإنَّ الانسان في أغلب الأحيان يكون أقلُ وفاءً من الكلب.

و قديماً قال أحد الشعراء:

 

لما   رأيتُ   بَني   الزمانَ   وما   بهم

 

خِلٌّ   وَفيٌّ     للشدائد      اصطفي

أَيْقَنْتُ    أَنَّ     المستحيلَ     ثلاثةٌ

 

الغولُ   والعنقاءُ   والخِلُّ    الوفي

 

 

الحبُّ و الولاء

 

لا يعني حُبُّ شخصٍ الولاءَ له . فقد يحب الانسانُ إنساناً و يوالي غيره.

عندما التقى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً الفرزدق وكان سيدنا الحسين قادماً من مكّة المكرمة متوجهاً للعراق و الفرزدق خارجاً من العراق متوجهاً لمكة سأله عن أحوال الناس في العراق ، فأجابه الفرزدق ( قلوبُ الناس معك وسيوفهم مع بني أُمية ، والقضاء ينزل من السماء ) و يعني بذلك أنهم يحبونك و لكن سيقاتلونك .

و من هنا ندرك تماماً أنَّ العلاقة بين الحب و الولاء ليست دائما علاقة إيجابية بل من الممكن و المحتمل أنْ تكون سلبية وفقاً للظرف المكاني و الزماني و تذبذب موازين القوى.

 

الأمثال الشعبية التي ورد فيها الحب

قيلت أمثال و أقاويل كثيرة في الحب ربما لا يتسع المجال لذكرها كلها ولكنني سأذكر ما أعجبني منها:

1.      الحب أعمى.

2.      إنْ عشقت اعشَقْ قمر و إنْ سرقت اسرقْ جَمَل.

3.      الذي يحب الدجاجة يحب ريشها.

4.      ما محبة إلاّ من بعد عداوة.

5.      بالحب لا نعقل وبالعقل لا نحب.

6.      الإهمال يقتل الحب والنسيان يدفنه.

7.      الحب كالقمر له وجهان: الغيرة هي الوجه المظلم.

8.      الأعمال أعلى صوتا من الكلام-إلا في الحب.

9.      الحب أن تفنى في شيء والموت أن يفنى فيك شيء.

10.   أجمل ما في الدنيا: الحب والرغيف والحرية.

11.   الحب الحقيقي هو الذي تحس به بعد فوات الأوان.

12.   الذين أحبوا بقوة لم يحبوا من أول نظرة.

13.   الحب يجعل الإنسان العادي شاعرا والشاعر مجنونا والمجنون حيوانا والحيوان شاعرا.

14.   الحب هو أن تبالغ في قيمة من تعرف والغيرة هي أن تبالغ في قيمة من لا تعرف.

15.   الإخلاص في الحب ليس إلا كسلا في النظر إلى إنسان آخر.

16.   المحب لا يجوع . والجائع لا يحب.

17.   الذي يحب يصدق كل شيء أو لا يصدق أي شيء.

18.   الحب يولد في العزلة والكراهية تولد بين الناس.

19.   اللعبة الوحيدة التي يشترك فيها اثنان ويكسبان فيها اثنان أو يخسرا معاً هي الحب.

20.   بالقلب نحب .. وبالعقل نكره .. بالاثنين نصاب بالجنون.

21.   حبنا لشخص لجماله ليس حبا ولكن عندما نحبه رغم عيوبه .. فهذا هو الحب بكل تأكيد.

22.   في الحب ننسى كرامتنا وفي الغيرة ننسى الحب.

23.   ليس الحب هو الذي يعذبنا ولكن من نحب.

 

 

محمد بن سيف العتيبة   بو بطي   الأربعاء   1-8-2012م

4000060   055

المقال بصيغة PDF

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

195

 العدد الكلي:

986965

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2024 الموقع الفرعي