الرغبة و الحاجة و الدافع
مصطلحات قد يظنها بعض الناس مترادفة و لكنها ليست كذلك رغم تقاربها فهماً , في مقالي سأبين الفوارق و امتداداتها و فيما يلي تفصيلاً لذلك :
أولاً : الرغبة :
الرغبة في أبسط تعريفاتها هي الشهوة بامتلاك شيء ما أو الإنتفاع به أو استغلاله و الرغبة هي إحدى تفريعات الحب للنفس أو لمن نحب أو ما نحب . أمثلة .
قد يرغب الإنسان في امتلاك بيت لنفسه أو لمن يحب كأخيه مثلاً و قد يرغب في أكل قطعة من الحلوى .
ثانياً : الحاجة :
الحاجة هي الشعور بوجوب الوصول لهدفٍ ما هذا الهدف لا يمكن تحققه إلى بتحقق هدف مرحلي معين قبله .
فالمريض يشعر بضرورة الوصول للشفاء و هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلاّ بتحقق هدف مرحلي قبله و هو العلاج بالدواء و بالقرآن و بالإبتعاد عن بعض الأطعمة و ما إلى ذلك .
ثالثاً : الدافع :
الدافع هو العزم المتولّد في قلب الإنسان نحو تحقيق هدفٍ ما و بدونه لا يمكن للمرء أنْ يرفع حتى يدهْ .
ما هو إذن الفرق بين الرغبة و الحاجة و الدافع ؟
قد تجد إنساناً مريضاً و هو بذلك محتاج للدواء لتحقق الشفاء و في ذات الحين لا يرغب فيه لأنَّ طعمه مر مثلاً . و في هذه الحالة نجد أنَّ الحاجة موجودة و الرغبة غير موجودة و العكس .
قد تجد إنساناً ثرياً يمتلك 9 شركات و يهم بافتتاح العاشرة و في هذه الحالة نجد أنّ الحاجة غير موجودة و لكن الرغبة موجودة .
و قد تجد إنسانا أنهى دراسته الجامعية و يرغب في الماجستير و في ذات الحين هو في حاجة لهذه الدرجة العلمية و لكن ليس لديه الدافع مما سيترتب على هذا أنَّه لن يخطُ خطوةً واحدة نحو تحقيق رغبته و حاجته .
و يعتبر الدافع هو المرحلة الثانية من الرغبة أو الحاجة كما تقبع الرغبة في منطقة اللا شعور و تقبع الحاجة في منطقة الشعور و قد تخرج الرغبة من مسكنها في اللا شعور لتزور الشعور و ترجع و قد تخرج الحاجة من مسكنها في الشعور لتزور اللا شعور و ترجع و في جميع الأحوال تنعكس الرغبة في تجوالها في نفس الإنسان و الحاجة كذلك على سلوك الإنسان اللفظي و الحركي و لربما فطن و أدرك و ربما رأى غيرُهُ منه ما لا يستطيع هو أنْ يراه من نفسه أي من سلوكه اللفظي و الحركي .
و قد تصطدم الرغبة و الحاجة و الدافع بمعوقات كثيرة تحول دون تحقيق صاحبها لأهدافه فمن الممكن أنْ يكون العائق دينيا أو اجتماعيا أو ماليا أو صحيا أو غيرَ قابلٍ للتحقيق فيصاب الإنسان بالتوتر . و أحيانا العكس فالوصول للهدف و تحققه ينجم عنه التوتر و عدم الشعور بالراحة .
أمثلة : قد يرغب الإنسان في اكتساب مالٍ حرام فيكون العائق دينياً دون تحقيق الهدف فإذا قاوم رغبته و حاجته فسينجم عن ذلك ارتياح و لو بعد حين , و إنْ وصل لهدفه فسيزيد لديه التوتر و عدم الشعور بالإرتياح . و قد يرغب الرجل الذي تجاوز السبعين بالزواج من بنت عمرها 20 سنة و يجد أنَّ العائق اجتماعي و قد يرغب الإنسان في إكمال تعليمة للدرجات العليا كالماجستير و الدكتوراه و لكنه لا يملك من المال ما يساعده على تحمل نفقات التعليم فيكون العائق في هذه الحالة عائقاً مالياً و قد يرغب مريض السكر في تناول قطعة حلوى و تظل عيناه على الحلوى و النفس توّاقة و يكون بذلك العائقُ عائقاً صحياً و قد يرغب الإنسان بالغوص في المحيط لعمق كيلومتر و كما نعلم فإنَّ درجة تحمل جسم الإنسان القصوى للضغط المائي عند عمق 350 متر و بذلك تكون هذه الرغبة مستحيلة التحقق إلاّ بالغرق !.
هل يستطيع العقل التحكم في زيادة أو قلة أو تلاشي و اختـفاء الرغبة و الحاجة و الدافع ؟
نعم , منذ أنْ خلق الله جل في علاه أبونا آدم عليه السلام و الصراع بين العقل و النفس قائم ففي بعض الأحيان ينتصر العقل على النفس و يهذّب السلوك و في بعض الأحيان تنتصر النفس على العقل فيتسم السلوك بالإنحراف عن المسار السوي فالعقل دائما يهدف للصلاح و النفس دائما تستهدف الشهوات و الصلاح على غير وفاقٍ مع الشهوات . يقول الله جل جلاله (( و أمّا من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى 40 فإن الجنّة هي المأوى 41 )) النازعات .
كما أنَّ الرغبة تولد في البيئة التي يختارها العقل فعلى سبيل المثَل .. لو دخل مريض السكر لمحل حلويات فمن الطبيعي بمجرد وقوع عين مريض السكر على الحلوى ستولد الرغبة في نفس اللحظة و لذلك ترى هذا المريض إنْ آتاه الله بعض الحكمة فسيمنع نفسه من دخول المحل بدايةً لعلمه المسبق أنَّ الرغبة من المرجح أنْ تولد هناك و بذلك يكون العقل قد أجهض الرغبة قبل تكونها . و إنَّ أحد أهم مقومات نجاح الإنسان قوة سيطرة عقله على نفسه .
هذا الموضوع أكبر بكثير من هذا الطرق المختصر , وفقنا الله و إيّاكم لما في الخير لأنفسنا و أهلينا و المسلمين و نصرة الإسلام . |