العجز الظاهر و الباطن و المستتر و الفشل المستمر
ينتاب المواطن العربي شعور في بعض الأحيان بالعجز و الفشل نتيجة تواصل الإخفاقات على مستوى مختلف الميادين .... الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية و حتى الرياضية . فلم تستطع دولة عربية واحدة الوصول للدور النهائي في بطولة كأس العالم لكرة القدم منذ إنشائها و حتى اليوم. و بلغة الأرقام هناك 194 دولة حول العالم منها 23 دولة عربية أي نشكل ما نسبته 11.3% و لا نرى توازياً عادلاً في نسبة الإنجازات العالمية ... لا على المستوى الكروي و لا على مستوى كافة الأصعدة الأخرى . فلو نظرت مثلاً لقائمة المخترعين فإنَّ نسبة المخترعين العرب لا تتجاوز 1% و هكذا .. في ذات الحين نرى أنَّ المنطق يشير و بقوة إلى تقصيرنا بالدرجة الأولى , لا إلى أي عامل من عوامل الإخفاق الأخرى.
و العجز يكمن في الإدارة, و إذا ما أردنا عرض و تحليل عوامل العجز فإنَّ المجال لا يتسع لحصرها .
ولكن أحد عوامل فشل الإدارة يكمن في العجز الظاهر و العجز الباطن و العجز المستتر و الذي هو عنوان موضوع مقال اليوم.
بدايةً يجب أنْ نعرف العجز بمفهومه المطلق و بمفهومه الخاص , فالعجز المطلق هو عدم القدرة على تحقيق الأهداف فإذا كان تحقيق الأهداف جزئياً كان العجز جزئياً بنفس القدر أمّا العجز الخاص فأنواعه كثيرة , مثل العجز النفسي و العجز الإقتصادي و العجز الجنسي و العجز الكروي و العجز الإداري باشتقاقاته المتمثلة في العجز الظاهر و الباطن و المستتر .
لكل إدارةٍ أهدافها فهناك أهداف نهائية و هناك أهداف مرحلية . ففي المنشآت التجارية يكون هدف المنشأة تحقيق الأرباح و في المنشآت الإجتماعية يكون هدفها خدمة المجتمع كما هو الحال بالنسبة لدار رعاية الأيتام فهدفها الحفاظ على سلامة أموال الأيتام لحين بلوغهم و صحتهم النفسية و الجسدية و كل ما يتعلق بحقوقهم . فإذا فشلت الإدارة في تحقيق أهدافها شكل ذلك لها عجزاً . و لتحقيق الأهداف النهائية هناك أهداف مرحلية توصل للنهائية .
يشترط في الأهداف
أولاً ) قابليتها للتحقق.
ثانياً ) معقولية مدتها.
ثالثاً ) توفر المعطيات و الموارد.
بعض الأمثلة على ( أولاً ) : قابليتها للتحقيق.
1. وضعتُ لنفسي هدف و هو أنْ أغـوص في المحيط لعمق 2 كيلومتر. هذا الهدف غير قابل للتحقق بسبب أنَّ أقصى عمق يتحمل جسم الإنسان ضغطه هو 330 متر فقط.
2. أنا عدّاء وضعت لنفسي هدف و هو أنْ أجري بسرعة 85 كم/الساعة. هذا الهدف غير قابل للتحقق بسبب أنَّ أقصى سرعة للإنسان تم تسجيلها هي 45 كم / الساعة فقط.
بعض الأمثلة على ( ثانياً ) : معقولية مدتها.
3. أنا مسافر براً بالسيارة من دبي إلى الرياض و وضعت لنفسي هدف أنْ أصل الرياض في 4 ساعات. تحقيق الهدف ممكن و لكن مدة تحقيق الهدف غير كافية فالمسافة تبلغ 900 كم و تحتاج على أقل تقدير إلى 8 ساعات .
بعض الأمثلة على ( ثالثاً ) : توفر المعطيات و الموارد .
4. دولة وضعت لنفسها هدفاً و هو إنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية و هي لا تملك اليورانيوم و تعذر الحصول عليه بالمال . هنا لا يمكن تحقيق الهدف بسبب عدم توفر الموارد. و الموارد كما تعلمون تنقسم لعدة أقسام على وجه العموم , منها الموارد البشرية و الموارد المالية و المواد الخام .
الفشل هو أنْ تمتلك مقومات الوصول للأهداف و تخفق في الوصول لها . و العجز الإداري أنْ تمتلك المنشأة مقومات الوصول للأهداف المرسومة لها و لا تصل أو يكون وصولها جزئياً .
تعاني الكثير من الإدارات الفاشلة من العجز الظاهر و الباطن و المستتر و الفشل المستمر .
نعرف تلك الأنواع من العجز ..
أولاً : العجز ظاهر :
هو ذلك العجز الذي يكون ظاهراً و جلياً نتيجة زيادة حجم العمل على الإمكانات المتاحة .
بعض الأمثلة :
· ( مثل على الموارد البشرية )
فندق به 300 غرفة و لديه 20 موظف تنظيف و المعدل الطبيعي لإنتاجية العامل هو 10 غرف في اليوم إذن هناك عجزاً يبلغ 10 موظفين . ذلك العجز يستلزم المعالجة إمّا بالتعيين بقدر الإحتياج أو بالعمل الإضافي أو بالعقود الخارجية .
· ( مثل على المواد الخام )
مصنع إطارات لديه 2 طن من المطاط و كل إطار يحتاج 20 كجم من المطاط لصنعه و المصنع لديه طلبية بـ توفير 400 إطار . الهدف القابل للتحقيق هو 100 إطار ( 2000 كجم ÷ 20 ) و الطلبية 400 إطار إذن العجز يبلغ 300 إطار تستلزم 6 طن من المطاط ( 300 × 20 ) و هذه الكمية غير متاحة للمصنع .
ثانياً : العجز الباطن :
هو ما يطلق عليه بالبطالة المقنعة . أي الوصول للهدف بأكثر مما يستحق .
بعض الأمثلة :
· ( مثل على الموارد البشرية )
قسم من الأقسام لا يحتاج أكثر من 5 موظفين لتسيير أموره بشكلٍ جيد , تقوم الإدارة بتعيين موظفين جدد و نقل موظفين من أماكن أخرى إليه حتى انتفخ و أصبح القسم يضم 25 موظفاً .
· ( مثل على المواد الخام )
مصنع يصنع منتجاً معيناً , يحتاج هذا المنتج 200 جرام من مادة البلاستيك للوصول للمقاييس العالمية المقبولة ( Global Standard ) ينتج المصنع هذا المنتج و قد صب فيه ما مقداره 250 جرام من مادة البلاستيك نتيجة عدم مقدرة مهندسي المصنع على التحكم بدقة في برمجة الآلات المصنعية إذن هناك عجزاً باطنا في المواد الخام الضرورية للتصنيع .
ثالثاً : العجز المستتر :
هو ذلك العجز الذي يطلق عليه البعض بضعف الجودة أو تدني الكفاءة . و أطلقنا عليه كلمة ( مستـتر ) للمحاولات المتواصلة لستره عن الأنظار .
بعض الأمثلة :
· ( مثل على الموارد البشرية )
طبيب عام بمستشفى يفترض تطبيبه لـ 40 مريضاً في كل يومٍ و ذلك حسب المتوسطات العالمية المتعارف عليها .
إنجازه اليومي يبلغ 30 مريضاً في اليوم الواحد كمتوسطٍ عام لهذا الطبيب , إذن كفاءة هذا الطبيب تقل عن المتوسط العام بنسبة 25% . و يطلق على هذا العجز بالعجز المستتر لكون هذا الطبيب يميل بالعادة لستر إنتاجيته المتواضعة عن الأنظار لأنَّ معرفة محيطه بهذا الأمر يسوءه و هكذا سمي هذا العجز بالعجز المستتر .
· ( مثل على المواد الخام )
مصنع يصنِّع الكابلات الكهربائية بمقاسات مختلفة , يفترض أنْ لا تقل نسبة النحاس عن 70% في الكابلات . تنتج الكابلات بنسبة نحاس تبلغ 58% . هنا انخفضت جودة المنتج عن المستوى العالمي المطلوب , من الطبيعي أنْ يسعى المصنع بأن لا يكشف عن هذه الحقيقة للمشتري إذا ما افترضنا غياب هيمنة السلطة التنفيذية في كل بلد .
بقي أخيراً أنْ نوضح نقطة في غاية الأهمية . و هي أنَّ العجز الظاهر و الباطن و المستتر ليس بالضرورة أنْ يكون خارج عن الإرادة, بل في كثيرٍ من الأحيان يكون متعمداً. فإذا كان العجز على مستوى الموارد البشرية ربما كان بسبب الفشل الإداري أو الفساد الإداري. و إذا كان العجز على مستوى المواد الخام ربما كان بسبب طمع المصنع أو المنشأة لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من أرباح و ذلك بـتـقـلـيـل المصروفات إلى أقصى ما يمكن حتى و لو تم النزول بمستوى الخدمة أو المنتج عن المستويات العالمية المتعارف عليها للجودة .
المفارقة الـعـجـيـبـة:
تكمن المفارقة العجيبة في وجود العجز الظاهر و الباطن و المستمر في نفس الوقت في المنشأة و سعي الإدارة إلى تعميق جذور ذلك العجز إمّا فشلاً أو فساداً أو كليهما.
كيف ؟
منشأة ما تحتوي على 4 أقسام و في كل قسم مجموعة من الموظفين و ذلك على النحو التالي:
الأعداد الواردة بالجدول عبارة عن أعداد الموظفين
|
القسم الأول |
القسم الثاني |
القسم الثالث |
القسم الرابع |
المجموع |
الإحتياج الحقيقي |
20 |
50 |
7 |
25 |
102 |
العدد الفعلي |
12 |
75 |
2 |
15 |
104 |
الفرق |
8 |
25 |
5 |
10 |
2 |
نوع العجز |
عجز ظاهر |
عجز باطن |
عجز ظاهر |
عجز ظاهر |
توازن |
نلاحظ في الجدول أعلاه أنَّ القسم الأول و الثالث و الرابع تعاني من العجز الظاهر في حين أنَّ القسم الثاني يعاني من العجز الباطن أي يعاني من التخمة و بالمصطلح المتعارف عليه يعاني من البطالة المقنعة .يا لها من مفارقة عجيبة إنْ دلت على شيء فإنما تدل على فشل الإدارة في حسن استخدام مواردها بما يكفل تحقيق الأهداف المفترضة مما كون عجزاً جزئياً ناجماً عن عدم الدراية و بالتالي الفشل أو ناجماً عن دراية تامة و يشير بقوة إلى الفساد .
الخميس 16/9/2010 بو بطي |