الأرض تعرف أبناءها
لا أقبل المزايدة على المواطنين في وطنيتهم ممن يتميزون بجلد الحرباء .
قال الله جل في علاه في الآية رقم 10 من سورة الحديد :
(وَمَا لَكُمْ أَلاّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
بدأ الإسلامُ ضعيفاً ثم صار قوياً , إذْ تميزت فترة بعثة الرسول محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه و سلم بفترتين هما :
1) فترة الضعف وهي منذ أنْ قال سيدنا جبريل عليه السلام لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ( اقرأ ) حتى هاجر من مكة المكرمة متوجهاً إلى المدينة المنورة و قوام تلك الفترة 13 سنة تميزت بالدعوة سراً و باضطهاد الكفار للمسلمين و تعذيب عمار بن ياسر و بلال و حصار شعب بني عامر الذي دام 3 سنوات .
2) فترة القوة و قد بدأت بالتدرج منذ الذهاب إلى المدينة المنورة حتى وفاة الرسول صلى الله عليه و سلّم و قد دامت تلك الفترة لمدة 10 سنوات و بانت قوة الإسلام بعد فتح مكة المكرمة في الـ 20 رمضان من السنة الثامنة للهجرة فعند الهجرة كان عدد المسلمين قرابة الـ 100 و عند فتح مكة كانوا أكثر من 10,000 و عند وفاة سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم بعد عامين من الفتح كان عدد المسلمين أكثر من 100,000 مسلم و مسلمة .
من المسلمين من عرف الإسلامَ و الإسلامُ ضعيفٌ و من المسلمين من عرف الإسلامَ و الإسلامُ قويٌ فهل يستويان ؟
طبعاً ... لا ... فقد قال الله جلا جلاله ( لا يستوي من أنفق من قبل الفتح و قاتل .. ) فألئك عرفوا الإسلام و الإسلامُ ما زال ضعيفاً و قدموا أموالهم و دمائهم لنصرة دين الله عز و جل في أصعب الظروف و أقسى المحن .
و قد ذكر الله الذين ناصروا الإسلام بأنفسهم و أموالهم في مرحلة القوة أيضاً و هي مرحلة ما بعد فتح مكة المكرمة ولكن لا يتساويان في الأجر و المنزلة و لأنَّ الله أكرم الأكرمين فقد وعدهم جميعا في نهاية الآية بالحسنى و هي الجنة .
و من منطلق القياس يمكننا أنْ نقتبس تلك العدالة المطلقة لله سبحانه و تعالى في نظرتنا لكثيرٍ من الأمور التي قد تشتبه علينا في عالم اليوم .
فلسطين :
كم هنالك من الفلسطينيين الشرفاء الذين ضحوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الدفاع عن أراضيهم و حريتهم و شرفهم و مقدسات المسلمين و عايشوا الصراع في جميع أو معظم مراحله و كم منهم من غادر فلسطين إما عام 1948 أو عام 1968 أو بينهما أو بعد ذلك .
عندما تولد دولة فلسطين الحبيبة تحت وطأة الاحتلال و يتهافت الخارجون سلفاً للعودة و اقتسام المناصب و التحكم في الأموال و المقدرات و يُمكنْ لهم فوق الأوائل . فهل ذلك عدلاً ؟
العراق :
حدث ما حدث من سقوط العراق و أعقب السقوط عودةُ الفارين الخونة تحت حماية المحتل ليستولوا على المناصب و يتحكموا في الشعب و المقدرات و يسهموا في نسخ الهوية العروبية و سلخ العراق عن أمته في ذات الحين نرى الأشراف من أبناء العراق الأبي الذين جاهدوا بأموالهم و أنفسهم لا يجدون الماء الصافي للشرب . فأين العدالة .
و ما انطبق على ما سلف من مثل يمكن جره على الإمارات و أفغانستان و كل بقاع الدنيا و ما انطبق على الأمم و الدول انطبق على الأفراد و المنظمات.
كما و قال الله تعالى في الآية رقم ( 117 ) من سورة التوبة :
( لقد تاب الله على النبيِّ و المهاجرين و الأنصارِ الذين اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسْرَةِ من بعد ما كادَ يَزيغُ قُـلـوبُ فريقٍ منهم ثم تابَ عليهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رؤوفٌ رحيم )
فالذين اتبعوا النبي في الأوقات العسيرة لا شك أنَّ لهم منزلة غير منزلة الذين أسلوموا و الإسلامُ قوي .
و حتى على المستوى الشخصي فالذي يعرفك و يصادقك و أنت ضعيف لا شك بأنَّ منزلته ستكون مختلفة عن الذي يسعى لصداقتك و أنت قوي .
لكل قاعدةٍ شواذ ... هذا صحيح إلاّ ما ندر ... و قديماً قال طرفة بن العبد :
نقِّـلْ فـؤادكَ حيثُ شِئْتَ مِنَ الـهـوى *** مـا الـحُـبُّ إلاّ للحـبـيـبِ الأوَّلِ
كمْ مَنزلٍ في الأرضِ يعْـشَـقُـهُ الفتى *** و حَـنـيـنُـهُ أبَـداً لأوّلِ مَـنْـزِلِ
و لأنَّ الولاءَ غيرَ حسيٍّ فلا يمكن مشاهدته أو تقديره بدقة فإنَّ وضع الثـقة غالباً ما يكون في غير محلّه إلاّ ما أراد الله .
هذا و أتمنى أنْ لا يكون المعنى مطمورٌ بالإيجاز . لكم منّي أطيَبَ تحيَّة .
بو بطي 25/9/2010 م السبت |