حافظ على مصيبتك و تمسك بها
لله سنن في خلقه و لن تجد لسنَّةِ الله تبديلا . فقد خلق الإنسانُ في شقاء منذ اليوم الأول لولادته إذْ يولَدُ باكِيا و يخرج من الدنيا متألما فقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه كعباً فقال : (( يا كعب حدثنا عن الموت قال: إن الموت كشجرة شوك أدخلت في جوف ابن آدم! فأخذت كل شوكة بعرق منه! ثم جذبها رجل شديد القوى فقطع منها ما قطع وأبقى ما أبقى. ))
و قد أقسم الله جل في علاه بثلاثة أشياء و المقسوم عليه شيءٌ واحد و هو معاناة الإنسان فقد قال الله في سورة البلد (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ 1 وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ 2 وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ 3 لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ 4 )) حيث أقسم الله عز و جل بالبلد ( مكة المكرمة ) و بالوالد ( آدم عليه السلام ) و ما ولد ( البشر ) بأنه خلق الإنسان في كبد و الكبد يعني العناء و المشقة و الشدة و لاحظ كلمة ( إنسان ) فهذه الكلمة تشمل جميع البشر من أغنياء و فقراء و بيض و سود و كبار و صغار و مرضى و معافين و حكّام و محكومين بما فيهم الأنبياء و الرسل بل إنَّهم أشد بلاءً و ابتلاءا .
كما قال الله عز و جل في سورة البقرة : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب 214 )) ..... ( البأساء : الفقر , الضرّاء : المرض , الزلزلة : الخوف )
لذلك من القناعات التي يجب أنْ يثق بها المؤمن أنْ لا أحد من البشر خالٍ من الشدَّة و المعاناة , يبقى الفرق بين الناس الفرق في التحمُّل فمن الناس من لو يدوس شوكة لتألَّمَ صارخاً و لأخبر البعيد و القريب عن الشوكة و عن الألم و من الناس من لو أصابه أكثر من ذلك بكثير لمْ يرِ الناسَ إلاّ ابتسامته المعهودة و لم يشكُ إلاّ إلى الله جل في علاه . تلك لا شك هبةٌ من اللهِ لخلقه بقدرٍ يعلمُهُ هو . و التحمّل نوعان تحمّلٌ نفسيْ و آخر جَسَديْ و من الناس من لديه واحدة و ليست لديه الأخرى و منهم من لديه الاثنتين و الفضل لله .
و المكابدة نوعان دائمة ملازمة و مؤقتة مفارقة و الأولى أشد و أصعب من الثانية بلا شك .
الخلاصة :
تجد أحداً من الناس لديه مكابدة و العياذ بالله و يتمنّى أنْ يخلصه الله منها و يدعوه نحو ذلك و لا يعلم أنَّ بقاء هذه المكابدة قد يحول دون استبدالها بأخرى قد تكون أدهى و أمر لأنَّ قسم الله ماضٍ و لا راد لحكمه .
لذلك عزيزي القارئ لا شك بأنَّ لديك مكابدةٌ قد لا يعلمها غيرك أو أنت وخاصتك فعليك بالتالي :
1. اسأل الله أنْ يخفف عنك بمعاناتك و قل دائماً (( اللهم اجعل هذا بذنبي فاغفر لي ))
2. لا تشكو و لا تبح معاناتك .... لأنَّ الناس ثلاثة .. الصنف الأول يحبك و لذلك أنت تؤلمه بشكواك و الصنف الثاني عدوٌّ أو حاسد و لذلك أنت تفرحه بشكواك و الصنف الثالث لا يهمه أمرك فلما تقحمه فيما لا يريد .
3. تأمل خيراً فإنَّ الصبر لا يأتِ إلاّ بالخير و يكفيك قول الله ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) البقرة 153
4. تذكّر أنَّ للمكابدة فوائد عديدة كما أنَّ للقمر جانبان مظلم و آخر مضيء فالمكابدة تصنع الرجال و تزيد الحنكة و تهدِّأ الروع و تميّز الخبيث من الطيب و لها فوائد قد لا يتسع المجال لذكرها فهي ليست عنوان الموضوع .
تلك هي نظرتي للأمور ... قد أكون مخطئً ... و ربما أصبت . فإنْ أصبتُ فدعواتُـكُـم و إنْ أخطأتُ فالمعذرة .
بو بطي الاثنين 27/9/2010 م |