كيف تغـير البشر

كيف تغـير البشر

قال الله عز و جل في القرآن الكريم :

((وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ 77 و تركنا عليه في الآخِرينَ 78 سلامٌ على نوحٍ في العالمين 79 )) الصافات

يعتبر سيدنا نوح عليه السلام الأب الثاني للبشرية و يقال أنَّ الفاصل الزمني بين موت سيدنا آدم عليه السلام و ولادة سيدنا نوح عليه السلام الـ 1000 سنة . قصة سيدنا نوح معروفة و لا داعي لذكرها تفصيلاً و لكن بكل اختصار أنَّه دعا قومه 950 سنة فلم يؤمن به إلاَّ ثمانين شخصاً . هذا الرقم غير مؤكّد أمَّا المؤكَّد أنَّ لسيدنا نوح أربعة أولاد و هم : سام و حام و يافث و كنعان .

فأما الثلاثة الأوائل فآمنوا و ركبوا مع أبيهم فكان سام أباً للعرب و اليهود و كان حام أباً للأفارقة و كان يافث أباً للآسيويين و يأجوج و مأجوج أمّا كنعان فلم يُؤمن فلم يركب مع أبيه في السفينة فكان من المغرقين . هذا ليس دقيقاً إلاّ ما ورد في القرآن الكريم فهو الحقيقة الساطعة .

قال الله جل جلاله :

((وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ 42 قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ 43)) هود

قال الله عز و جل : ((وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ  )) هود 36

ما أردت قوله اعتباراً من قصة سيدنا نوح عليه السلام أنَّ جميع البشر في عالمنا اليوم هم من سلالة سيدنا نوح و أنَّ السلالات الأخرى غرقت و قضي عليها و من هذا المنطلق نفهم أنَّ كل البشر الحاليين متساوون في نسبهم 100% و ليس 99% فجميعهم يعود إلى سيدنا نوح و هنا وجب التنبيه إلى عدم خلط الأمور فالبشر متساوون نسباً و ليسوا متساوين تفضيلا .

فقد فضَّل الله الرسل و الأنبياء على البشر و فضل بعض الرسل على بعض , قال الله عز و جل :

((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )) البقرة 253

كما فضَّل الله المسلمين على باقي البشر و فُضِّلت أمَّة محمد صلى الله عليه و سلَّم على باقي الأمم .

, فقد ورد في صحيح مسلم :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ ». وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى.

كما ورد في صحيح البخاري :

أنَّه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قِيلَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ « أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ » . قَالُوا يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ « فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِىُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِىِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِىِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ » . قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ « فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِى » . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ « فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا » .

و ورد في مسند أحمد :

أَتَى نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا إِنَّا لَنَسْمَعُ مِنْ قَوْمِكَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ إِنَّمَا مِثْلُ مُحَمَّدٍ مِثْلُ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِى كِبَاءٍ - قَالَ حُسَيْنٌ الْكِبَاءُ الْكُنَاسَةُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَنَا ». قَالُوا أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- . قَالَ « أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ». قَالَ فَمَا سَمِعْنَاهُ قَطُّ يَنْتَمِى قَبْلَهَا « أَلاَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فَجَعَلَنِى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ ثُمَّ فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِى مِنْ خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِى مِنْ خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِى مِنْ خَيْرِهِمْ بَيْتاً وَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتاً وَخَيْرُكُمْ نَفْساً ».

حديثنا اليوم ليس لتفصيل الأفضلية ولكن لتبيين و تحليل الفروق الناشئة عبر السنين بين البشر في الأشكال و اللغات و العادات.

لا شك بأنَّ الظروف المناخية و المعيشيّة و التضاريس الجغرافية لها تأثيرٌ مباشر على الإنسان , فسكان المناطق الاستوائية ألوانهم أقتم من سكان المناطق الباردة كما أنَّ أحجام سكان المناطق الباردة أكبر من أحجام سكان المناطق الدافئة أو الحارة كما أنَّ كفاءة الرئة عند سكان الصحراء و المناطق الجبلية المرتفعة أعلى من كفاءتها عند سكان المناطق المليئة بالخَضار و الزرع .

و بالمرادفة إذا ما قارنّا بين حيوانات البيئة الصحراوية و حيوانات البيئات الباردة تجد نفس الفروق تقريباً.

الذئب : الذئب العربي صغير الحجم و الذئب الأوروبي أضخم بمعدل الضعف .

الخيل : الخيل العربي أقصر و أهزل و الخيل الأوروبي أطول و أضخم .

الأفاعي : الأفاعي الصحراوية أقصر و أنحف من الأفاعي الإستوائية .

لكن تلك الفروق لا تعبر عن الأفضلية فقد تكون الأفضلية للخيل العربي على سائر خيول العالم لاسيما في النفس الطويل و الذكاء و المناورة و ربما كانت الأفعى الصحراوية أشد فتكاً من الأناكوندا الإستوائية العاصرة .

فالمَثلْ الإماراتي يقول : (( كلْ ضِعْفْ و له لِطْفْ )) فقد فطر الله خلقه من بشر و حيوانات على حب الحياة و قد أوعز هذا الحب لبرمجة الجينات في خلايا الجسم لهدف مرحلي و هو التأقلم لدرئ صعوبات الحياة ليصب الهدف المرحلي في الهدف الأعلى و هو الحياة .

تجد الحرباء المتلونة تستطيع أنْ تلون جسمها بألوان الخلفية التي تجلس عليها لكي لا يميزها العدو و يصطادها و تجد الجمل يمكنه الله من العيش بلا ماء لعدة أيام لشح الماء بالصحراء و تجد الدب القطبي متدثر بطبقة سميكة من الدهن تحت الجلد ليكون له عازلاً حرارياً ليحافظ الجسم على درجة حرارته رغم الفارق الهائل بينها و بين درجة الحرارة الخارجية في القطب الشمالي أو الجنوبي .

كما أسهمت التضاريس الجغرافية في تمايز الشعوب و الأمم فقد حالت جبال التبت بين تمازج شعوب آسيا القصوى مع شعوب الشرق الأوسط و الغرب و كما أنَّ للجبال دوراً في العزلة فإنَّ للبحار كذلك فقد أسهمت البحار الثلاثة التي تحيط بالجزيرة العربية و هي الخليج العربي و بحر العرب و البحر الأحمر في عدم اختلاط دماء العرب إلى الدرجة التي اختلطت بها دماء الآخرين . فمثلاً ما أنْ ترى عربياً حتى تستطيع أنْ تميّز من شكل وجهه و قامته إلى أي بلدٍ ينتمي و إلى أي مدينة بخلاف الأوروبيين فإذا رأيت أوروبي فلا يمكنك تمييزه أهو ألماني أم سويدي أم فرنسي لعدم وجود تضاريس فاصلة و عازلة بين الدول الأوروبية.

إن عزلة كل مجموعة من البشر و لآلاف السنين جعلتهم يتزاوجون مع بعضهم بعضا حتى ترسَّخت صفاتهم الجينية و أصبحت تأخذ في الغالب صبغةً واحدة فهؤلاء سكان شرق آسيا ذوو وجوهٍ مستديرة و أعينٍ ضيقة و شعورٍ سائحة و سوداء و هؤلاء الغربيون ذوو بشرةٍ بيضاء و شعورٍ شقراء و أعينٍ زرقاء و هكذا .

كما أنني سمعت قديماً أنَّ البشر يأخذون من صفات و أشكال حيوانات بيئتهم التي يعيشون فيها إلاّ أنَّ هذا لا يستند لأدلة علمية قاطعة فقد قيل أنَّ العربي أخذ من بيئته عين و أنف الصقر شكلاً و أخذ من الفرس العربي عزة النفس و النفس الطويل في الصراع و أخذَ من الجمل الصبر و التحمل و شعوبٌ أخرى أخذت من بيئتها أنوف الخنازير شكلاً و الذكاء و الوفاء من الكلاب و الدهاء من الثعالب و هكذا .

هذا فيما يخص الصفات الشكلية و العقلية و الإنفعالية للبشر أما تطور اللغة إلى لغات و تمايزها فهذا أيضاً نتيجة العزلة التي تحدثتُ عنها و التي دامت لآلاف السنين و من خلال التدقيق في المصطلحات الأساسية في لغات العالم أخلص إلى  نتيجةٍ واحدة و قطعية و أستطيع تأكيدها بنسبة 100% و هي أنَّ كل لغات البشر كانت لغةً واحدة ثم أصبحت آلاف اللغات و اللهجات . سبحان الله , ربما تساءلت ... كيف ذلك ؟

أولاً :    

المنطق يتدخل بقوة . انطلاقاً من الآية الكريمة التي بدأنا بها الموضوع و هي (( وجعلنا ذريَتَه هُمُ الباقين )) الصافات 77 فلا يعقل أنْ تكون لكلِ ابنٍ من أبناء سيدنا نوح لغةٌ مختلفة عن أخيه و أبيه فلا شك أنهم كانوا يتحدثون لغةً واحده .

ثانياً :    

كل أطفال العالم بلا استثناء عندما يبدأون بالنطق فإنَّهم يسمون الأب (( بابا )) و يسمون الأم (( ماما )) و عندما تتمعن في ألفاظ اللغات الرئيسية تجد أنَّ هناك تحولات تتذبذب بين الطفيفة و المتوسطة بين حروفها حيث يستبدل حرف V  بحرف الواو و يستبدل حرف الثاء أو الدال بحرف التاء و يستبدل حرف القاف بحرف الكاف و هكذا .... لاحظ الحروف المستبدلة تكون من نفس المخارج فالحروف التي تخرج من قعر الحرق تستبدل ببعضها و الحروف التي تخرج من الشفاه تستبدل ببعضها و الحروف التي تخرج من آخر اللسان تستبدل ببعضها و هكذا.

دعونا نأخذ مثلاً رقم ( 2 ) كيف يلفظ عند الشعوب :

* لسماع كيفية نطق الكلمات كما هي عند شعوبها قم بزيارة الموقع التالي :    http://ar.forvo.com

الأمثلة كثيرة ولكنني فقط أردت توضيح الفكرة و المنهجية .

مما تقدم يلاحظ ما يلي :

1)  يلاحظ مدى التقارب بين اللغات بصفة عامة من ناحية الحروف , و إذا ما حدث انحراف فإنَّ الانحراف لا يكاد يتعدى المجموعة الواحدة في مخارج الحروف .

2)  يلاحظ التقارب الشديد بين اللغة العربية و العبرية .

3)  يلاحظ التقارب الشديد بين اللغات اللاتينية .

ملخص الموضوع أنَّ الناس كانوا شعباً واحداً ثم تحولوا إلى شعوب عبر آلاف السنين فتمايزت أشكالهم و طباعهم و لغاتهم . هنا يبرز السؤال المهم , لماذ ؟ بعد أن شرحتُ لكم كيف .

قال الله العزيز الحكيم :

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  )) الحجرات 13

تفسير من عندي استرشاداً بالتفاسير الموجودة و المتاحة :

(فما أصبت فمن الله و ما أخطأت فمنّي و من الشيطان الرجيم )

لمّا كان الناس شديدو التفاخر بأنسابهم أراد الله أنْ يبين لهم و يذكرهم أنهم من ذكرٍ و أنثى أي من آدم و حواء أي إنكم ترجعون لأصلٍ واحد لذلك فأنتم متساوون في النسب 100% و يفترض بهذه الشعوب أنْ تتعارف مع بعضها البعض لا أنْ تتفاخر على بعضها البعض و إذا ما كان التفاضل فهو بالتقوى فالأتقى منكم أيها البشر أكرم عند الله إنَّ الله عليمٌ بكم و ببواطنكم و خبيرٌ بها .

بو بطي    الثلاثاء    2/11/2010 م