عروبة مصر
سمعت ذات يوم أحد المصريين على إحدى القنوات يدعو للانفصال فكراً و حضارةً عن الأمة العربية متفاخراً بالحضارة الفرعونية و يقول : نحن فراعنة و لسنا عرب .
ما إنْ سمِـعْـتُـهُ حتى فارت الدماءُ في عروقي و غضبت أيما غضب و ودتُّ أنْ لو رددتُ عليه.
ظلت كلماته يضيقُ بها صدري طيلةْ هذه السنين على أمل أنْ أجدَ متسعاً من الوقت و راحة البال و منبراً يصل بكلماتي مسامع المثقفين حتى أرد عليه و على أمثاله . فهذا هو سبب مقالي اليوم .
الأمة العربية قبل الإسلام كانت أمةً سامية سمو السحاب على الأرض و البحار , فما سمى بالأمة العربية على غيرها حضارتها المعنوية و الأخلاقية و اللغوية فهي ليست كالحضارات الأخرى التي يغلب عليها الطابع العمراني .
فهناك الكثير من الحضارات إندثرت و بقيت المباني العمرانية أو منحوتاتهم في الجبال مثل قوم عاد و قوم ثمود و قوم فرعون و الحضارة البابلية . شاهدةً على تلك الحضارات كما أنَّ هناك من الحضارات التي لا زالت حية و تحتفظ بتراثها العمراني كالحضارة الرومانية بكل اشتقاقاتها كالتي في اليونان و إيطاليا و فرنسا و مالطا و غيرها و الحضارة الصينية و الحضارة الهندية .
جاء الإسلام ليسمو أكثر و أكثر بالأمة العربية و ليجعلها تتمدد خارج الجزيرة العربية فتغير مفهوم الأمة عندهم من الأمة العربية إلى الأمة الإسلامية و ما أنْ بدأ العالم يستشعر كبر و قوة و ضخامة الأمة الإسلامية حتى استشعروا الخطر الذي وجدته بعض الأمم يقيناً في صدر الإسلام وقت الفتوحات . و في رأيي الشخصي أنَّ الأمة العربية هي قلب الأمة الإسلامية , دائرة صغيرة في دائرة كبيرة , و ما أنْ مرت الأمة في سلسلة من الاستعمار الذي أدى إلى تخلفها عن الصدارة في كل شيء ذلك الاستعمار المنهك حتى اقتتل الظالمون و جعل الله بأسهم بينهم فكانت الحربين العالميتين الأولى و الثانية فكانتا أحد أهم أسباب إعطاء الاستقلال للدول المستعمرة بعد أنْ مُصَّت دماء شعوبها لعشرات السنين .
و على الرغم من خروج الدول العربية ضعيفةً هزيلة من براثن الاستعمار إلاّ أنَّ هاجس توحد العرب ظل القلق الدائم الذي يراود الدول و الحضارات المحيطة .
فانتهى الاستعمار بشكله التقليدي ليبدأ الاستعمار السياسي و الإقتصادي و يبدأ معه الغزو الفكري و الحضاري .
و لمّا كانت عوامل الوحدة العربية تتمثل في التالي :
1) الإسلام.
2) العروبة .
3) القومية العربية .
4) التاريخ المشترك .
5) الهدف الموحد .
6) المصالح المتبادلة .
7) المصير الواحد .
8) الموقع الجغرافي .
فقد سعى المتخوفون من الوحدة العربية إلى ضرب كل عامل من عوامل الوحدة على حدة و وُضِعَت المخططات و جُنِّدَ المثقفون و جمعت الأموال و شُريَتْ الأنفس الرخيصة لأجل تحقيق الفت و النسف لتلك العوامل بهدف إبقاء الدول العربية متفرقة كما أنهم لم يكتفوا بذلك بل سعوا لإثارة الخلافات بين الدول الشقيقة لضمان الفرقة حتى تحقق النجاح الباهر بغزو العراق للكويت التي شقت الدول العربية لشقين لا ثالث لهما .
موضوع مقال اليوم عن عروبة مصر , ربما تساءل القارئ ... لماذا مصر . فأجيبه .لسببين و هما :
1) لأهمية مصر من ناحية الكثافة السكانية و توسطها الأمة العربية و لأنها دولة مواجهة .
2) لأنَّ مصر الدولة العربية الأكثر استهدافاً من غيرها من الدول العربية .
ما يهمنا من العوامل الثمانية المذكورة أعلاه العاملان رقم (2) و (3) .
ما الفرق بين العروبة و القومية العربية ؟
العروبة : نعني بها عروبة اللغة أي اللغة العربية التي تستطيع أنْ تتحدث بها في كل الدول العربية .
و القومية العربية لها معنيين حديث و قديم .
المعنى الحديث : هي تيار سياسي ذا طابع إيديولوجي بالمفهوم الاصطلاحي الشامل . شعاره وحدة اللغة العربية.
المعنى القديم : هي وحدة الدماء و تقاربها نسلاً مع وحدة اللغة بطبيعة الحال .
فالقومية مشتقة من كلمة ( قوم ) و القوم هم مجموعة من القبائل فهم جماعة من الناس تجمعهم وحدة الدماء و المصاهرة و الأرض المشتركة التي يعيشون عليها .
و هنا وجب التفصيل في هذا الجانب بين عدة مصطلحات تقسم الناس لمجموعات متراكبة معظم الناس لا تميز بينها و لا تعرف تدرجها و هي كالتالي :
الأمة ثم الشعب ثم القوم ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة ثم العائلة ثم الأسرة .
و قد اُختير اشتقاق الـ ( قوم ) بدلاً من اشتقاق الـ ( أمّة ) رغم أنَّ القوم أقل من الأمة بسبب أنَّ الأمة قد يشار بها لأمة محمد صلى الله عليه و سلَّم في ذات الحين الذي احتوت فيه بعض الدول العربية على بعض الأقليات غير المسلمة المرغوب في استقطابهم لتكوين الدول لاسيما في المرحلة الانتقالية التي عاشتها الدول العربية في مراحل التحول من دول مستعمرة إلى دول حرة , فالوحدة الوطنية كانت مطلب ضروري فتم الضرب على وتر القومية العربية لضمان عدم تمرد العرب غير المسلمين على أقل تقدير حتى تستتب الأمور و تـترسخ أركان الدولة .
أثناء ذلك بدأ الغزو الثقافي و الحضاري و بث الملوثين من المثقفين لبث مجموع من الأفكار المفرقة منها محاولة إقناع الجهلة من الشعوب العربية بأنهم ليسوا عرباً فقيل للعراقيين أنتم أبناء الحضارة البابلية و قيل للبنانيين أنتم أبناء الحضارة الفينيقية و قيل للمصريين أنتم فراعنة و قيل للمغاربة أنتم أمازيغ بهدف تمزيق أحد أهم عوامل الوحدة .
و ما أردتُ إثباته اليوم هو عروبة مصر و عروبة كل الدول العربية بالدليل القاطع .
فيما يلي أدلة عروبة مصر :
أولاً : من خلال المنقول عبر التاريخ و الموروث :
1) آسية بنت مزاحم زوجة فرعون هي عربية و الدليل أنَّ اسم ( مزاحم ) اسم عربي . هذا قبل من 3,700 سنة على حسب التقديرات . فعروبة مصر قديمة و طاعنة في القدم .
2) الزوجة الثانية لسيدنا إبراهيم صلى الله عليه و سلّم اسمها ( هاجر ) و هي مصرية و اسم هاجر اسم عربي مما يعني أنَّ عروبة مصر تمتد لقرابة 5 آلاف أو 6 آلاف سنة .
ثانياً : من خلال المقارنة و التحليل و المنطق :
المقارنة بين إيران و مصر . و قد اخترت مقارنة إيران بمصر للأسباب التالية :
1) بسبب تقارب عدد السكان فعدد سكان إيران في حدود الـ 70 مليون و مصر في حدود الـ 80 مليون .
2) تقارب المسافة بين الجزيرة العربية و بين الدولتين فالمسافة بين قعر الجزيرة العربية و قعر إيران مساوية تقريباً للمسافة بين قعر الجزيرة العربية و قعر مصر .
3) لتقارب توقيت فتح الدولتين فسقوط الفرس كان في سنة 14.5 هجرية و فتح مصر كان في سنة 20هـ أي إنَّ الفاصل الزمني بين الفتحين ست سنوات و نصف مما لا يعد شيئاً ذا تأثير على النتيجة التي سنطرحها بالمقارنة بـ 1400 سنة من تلك الآونة لهذا اليوم .
يشير المنطق و علم النفس إلى حقائق راسخة و هي :
1) القوي يؤثر في الضعيف أكثر مما يؤثر الضعيف في القوي .
2) الجماعة التي عددها أكثر تؤثر في الجماعة التي عددها أقل أكثر من العكس.
و في ضوء ما تقدَّم دعونا نستعرض النتائج في ضوء تماثل الظروف بين البلدين .
بدأت المعارك مع الفرس سنة 12 هـ و سقطت بلاد فارس سنة 14.5 هـ أي أنَّ القتال استمر 2.5 سنة و خاض المسلمون 16 معركة مع الفرس كان عدد جيش المسلمين في أحسمها و هي معركة القادسية 30,000 مقاتل مسلم و كان عدد الطرف المقابل في حدود 120,000 مقاتل + سبعين فيلاً و كان عدد سكان إيران في حدود الـ 3 مليون نسمة حسب تقديري .
خاض عمرو ابن العاص معركة واحدة مع الرومان الذين كانوا يحكمون مصر لفتحها و كانت المعركة في منطقة بلبيس بعد اجتيازه منطقة العريش و كان قوام جيشه 5,000 مقاتل مسلم و كان عدد سكان مصر أيضاً في حدود الـ 3 مليون نسمة حسب تقديري . انتصر عمرو ابن العاص على الرومان و حكم مصر .
السؤال الصارخ :
بعد الفتح ... هل باستطاعة 5,000 مسلم عربي تغيير لغة 3 ملايين مصري من اللغة الفرعونية إلى اللغة العربية و لم يستطع 16,000 مسلم عربي تغيير لغة 3 ملايين إيراني من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية ما لم يكن المصريون أصلا عرب ؟
ثالثاً : اسبانيا .
لما فتح طارق بن زياد اسبانيا فتحها بجيش قوامه 7,000 جندي و أقدّر عدد سكان اسبانيا بـ 4 مليون نسمة على أقل تقدير انطلاقاً من عدد سكان اسبانيا اليوم البالغ 28 مليون مضافاً إليه عدد سكان المكسيك و أمريكا الجنوبية .
علماً بأنَّ احتلالنا لاسبانيا دام قرابة الـ 800 عام . (1492م – 711 م = 781 سنة بالضبط ) و علماً بأنَّ الأندلس استقبلت و احتوت أفواجاً من العرب من الموالين لبني أمية عندما سقطت الدولة الأموية في دمشق و نشأت مكانها الدولة العباسبة فقد ظل الحكم الأموي مستمراً في الأندلس
السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه :
لماذا لم نستطع تعريب اسبانيا و جعلها دولة عربية ؟ الجواب يكمن في أنهم ليسوا عرب أصلاً .
أمَّا عن الحروف التي وجدتْ على جدران القبور المصرية القديمة فليست دليلاً على غير ذلك فحتى الكتابة العربية الحالية مرَّت بمراحل عبر القرون الخالية من التطورات في أشكالها حتى أصبحت كما نراها و نقرأها اليوم .حتى الأرقام التي يستخدمها العرب ليست موحدة فدول المشرق العربي تستخدم ما يطلق عليها بالأرقام الهندية و في الحقيقة هي ليست هندية بل هي عربية , و دول المغرب العربي تستخدم ما يطلق عليها بالأرقام العربية و هي عربية أيضاً .
و العكس صحيح أيضاً فباكستان و إيران تستخدمان الحروف العربية فهل هم عرب ؟
الخلاصة :
هناك ثلاث احتمالات :
1) من المحتمل أنَّ المصريين العرب القدامى كانوا يستخدمون تلك الحروف و ينطقونها بالعربية .
2) أنَّ مصر العربية تعرضت لغزو و احتلال من قومٍ آخرين فرضوا عليهم هذه الحروف .
3) أنَّ الحروف الموجودة على جدران القبور هي حروف عربية في مراحلها البدائية .
رابعاً : شخصية العربي المصري .
انطلاقاً من أنَّ الأحكام العامة تبنى على الأغلبية لا على ما شذَّ , فإنَّ طبيعة المصريين تستعصي على تقبُّـل أيْ لغة غير اللغة العربية التي كانوا يتحدثون بها أصلاً , بل أذهب إلى أبعد من ذلك وهو أنَّ المصريين لا يتقبلون التنازل حتى عن لهجتهم إلى أي لهجة عربية أخرى فكيف نتقبل ما يروج له المستشرقون .
خامساً : مصير الفراعنة .
كل من قرأ قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون يتبين له أنَّ البحر الأحمر أطبق على فرعون و جيشه بعد أنْ خرجَ بنو إسرائيل إلى اليابسة و هي شبه جزيرة سيناء و مات فرعونُ غرقاً و كل من كان معه من الجنود فكيف يُنسب المصريون إلى الغارقين و أتعجَّب ممن يتفاخر بانتسابه للكفّار المشركين و بفرعون الكافر الذي قال :
قال الله عز و جل مخبراً عن ما قاله فرعون : (( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى )) النازعات 24
و أستغرب من الذين يمجدون قوماً فانين قال الله العزيز الحكيم عنهم : (( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )) الزخرف 54
فأي عقلٍ يقبل هذا و أي منطقٍ قبل هذا .
سادساً : لماذا الفراعنة بالذات .
لقد تعرضت مصر للغزو و الإحتلال منذ ما قبل التاريخ و لم يحكم المصريون أنفسهم إلاّ في فتراتٍ قليلة متفرقة من الزمن , فقد احتُـلَّـتْ و حُكِمتْ مصر من قبل الفرس ثم من قبل مقدونيا عندما غزاها الإسكندر المقدوني و بنى مدينة الإسكندرية ثم الروم ثم يفصل التاريخ مولد سيدنا عيسى ابن مريم رضي الله عنه ثم تتوالى عمليات الإحتلال و السيطرة على مصر مروراً بالمماليك و غيرهم و صولاً إلى العصر الحديث حيث الدولة العثمانية و الإستعمار الفرنسي و الإنجليزي .
السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه :
لماذا يُنظر للفراعنة أنهم سكّان مصر الأصليين ؟ لِـمَ لا يكونون كسائر الغزاة الذين مرّوا على مصر كغيرهم ؟ فإنْ يَكُ بقاؤُهُمْ و حُكْمُهُمْ طويلاً فقد حكم العرب اسبانيا 800 سنة !!! و لم يجعل ذلك العربَ همْ سكان اسبانيا !!!
و بما تقدّم أثبت لكم إخواني الكرام عروبة مصر 100% التي يحاول المستشرقون و أذنابهم سلخها عن الأمة العربية .
و أوجهُ قولي لكل مصري فأقول عليك بالإعتزاز بعروبتك فأنت عربي أصيل منذ ما قبل التاريخ أنتَ منْ قومٍ قال الله عنهم : (( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )) آل عمران 110
كما أحب الإشارة إلى أنَّ ما ينطبق على مصر ينطبق على جميع الدول العربية من أنَّ سكانها هم عرب . بنفس المنطق .
غفر الله لي و لكم .
أخوكم / بو بــطي 971506255599+ الجمعة 5/11/2010 م |