التخلّف عن الركب أسبابه و جذوره

التخلّف عن الركب أسبابه و جذوره

 

تعاني الأمَّة العربية من التخلف إذا ما قورن الوضع الحالي بعصر الصدارة أما إذا ما قورن الوضع الحالي بباقي دول العالم في وقتنا الحاضر فنحن في الوسط و لولا رحمة الله بنا لكنا في وضعٍ أسوء من الحالي بكثير .

فقد أنعم الله علينا بثرواتٍ كثيرة استطعنا بعائداتها شراء ما نحتاجه و ما لا نحتاجه من المتاح في كافة الميادين مما نجم عنه عدم الرغبة و فقدان الدافع لتطوير أنفسنا بأنفسنا .

و في اعتقادي أنْ التخلُّف هو نتيجة تظافر و تمازج مجموعة معقَّدة من العوامل التي جعلت الأمَّة تدور في حلقة اللاوعي بما نحن فيه و كيفية التخلص , فشريحة رقيقة تعرف و ليس لها تأثير بسبب استبعادها لتميزها الفكري و السواد الأعظم لا يدرون و تلك مصيبةٌ أدهى و أمر , و فيما يلي أهم الأسباب :

أولاً : الأسباب التاريخية :

1)  تعرض الأمة العربية لِـوَلْـيَـةِ الدولة العثمانية لمدةٍ طويلة تجاوزت الـ 600 سنة ( 1299 – 1923 م ) وقد اهتمت بالدفاع عن الإسلام و نشره في الدول المتاخمة و مد الهيمنة و فرضها على الداخل بالقوة و لم تهتم بالعلم و البحث العلمي لا في تركيا و لا في الدول العربية .

2)  تعرض الأمة العربية لهجوم استعماري من قبل بريطانيا و فرنسا و إيطاليا و اسبانيا و البرتغال التي لم تهتم بتنمية قدرات الدول المستعمرة بقدر اهتمامها بالاستفادة من موارد شعوبها و مسخ هويتها و محاولة إحلال هوية المستعمر .

ثانياً : الأسباب الراهنة :

1)  تنامي المشاعر الخاذلة :

a.  تنامي شعور الإتكالية لدى بعض الشعوب العربية بسبب ظهور الثروات الأرضية و التي لا جهد فيها يذكر.

b.  تنامي شعور الإحباط لدى بعض الشعوب العربية نتيجة الإخفاقات المتواصلة و على مستوى معظم الميادين . و إرهاب الطامح في قوت يومه .

2)  الجهل . و تفشي تبني المبادئ الرخيصة .

3)  فقر بعض الدول العربية أو تعمد إفقار شعوبها لشل الفكر التقدمي و استجداء العيش بكرامة .

4)  العشوائية و عدم ترتيب و تنظيم الأولويات و ضعف الإدارة .

5)  غياب منهجية البحث و التطوير .

6)  تضارب مصالح الأمم .

7)  تواصل التبعية السياسية و الاقتصادية للدول القوية .

 

و موضوع اليوم ينصب على ( ثانياً ) و فيما يلي توضيحاً مبسطاً لكل نقطة من النقاط أعلاه :

1)  تنامي المشاعر الخاذلة .

تنامي المشاعر الخاذلة التي تبطئ من وتيرة التقدم مثل الشعور بالإتكالية لدى بعض الشعوب العربية بسبب ظهور الثروات الأرضية التي لم تكن في الحسبان . ففي إحدى النقاشات التي دارت بيني و بين أحد الأخوة قالها لي بصريح العبارة : " نحن لا نريد سياحة و لا نريد كذا و كذا فنحن نمتلك بترول يكفينا لـ 300 سنة للأمام ! " , كما أنَّ الإحباط المتواصل يؤدي إلى ضعف النشاط و الإنتاجية و تثبيط العزيمة و قد أصاب بعض شعوب الدول العربية و أدى إلى التسليم بالواقع فما يراه المواطن العربي من هزائم متواصلة على كافة الميادين أحد أهم أسباب إحباطه و الإحباطات هي كما يلي :

a.  على المستوى العسكري كالذي حدث على أرض الرافدين .

b.  و على المستوى السياسي كالنتائج المحبطة التي تم التوصل إليها عبر حقب من المفاوضات الفاشلة لأجل استرجاع ما يمكن استرجاعه من أراضي فلسطين .

c.   و على المستوى الاقتصادي و تعاظم وارداتنا من الدول الصناعية المنتجة حتى بتـنا نرى أنفسنا عالة على العالم .

d.  و على المستوى الاجتماعي حتى أصبحنا أضحوكة العالم بتقليدنا و تشبهنا بحثالة الأمم الأخرى .

e.  و على المستوى الرياضي فالخسائر متواصلة في عالم كرة القدم و السباحة و حمل الأثقال و رمي الجلة و كل الرياضات الأولومبية و غيرها .

إنَّ تواصل الإخفاقات أدى كذلك إلى ضعف الثقة بالنفس و أدى كذلك إلى الاجتهاد في تبرير الهزائم للتخفيف من الإجهاد النفسي و جلد الذات الداخلية .

2)  الجهل . و تـفـشّي تبني المبادئ الرخيصة .

فـلـلـجـهـل رافدان الأول هو الغباء و الثاني ضعف التعليم فأما الغباء فلا يمكن علاجه و أما ضعف التعليم فمن الممكن على المدى البعيد . هذا عن أسباب الجهل أماَّ عن نتائجه فنتائجه كثيرة و ربما كانت خارج نطاق الحصر و لكن أُجْـمِـل ما مكنّي فيه ربي بـالتالي :

a.  الجهل يؤدي إلى الحسد : فالحسد أحد أهم و أبرز إفرازات الجهل فلو علم الحاسد بما عند الله لهان عليه ما عند خلقه وكذلك لو لعم أنَّ الحسد لا يزيد في رزقه هو و لا ينقص من رزق المحسود لما فعل و لو علم أنَّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب لما حسد , و لو علم أنَّه أرهق نفسه بلا طائل لما حسد . فالجهل أدى للحسد و الحسد أدى إلى ضعف التعاون بين العرب ذلك التعاون الذي من شأنه تدعيم السعي للتكامل الاقتصادي الذي سيؤدي للتخلص من التبعية الاقتصادية للدول القوية.

b.  الجهل يؤدي إلى ضبابية الرؤية : فالجاهل لا يستطيع تحديد أهدافه بسهولة و لا يستطيع أنْ يخطط لها كما يجب و لا يستطيع أن يستفيد من أخطائه و لا يستطيع التفرقة بين الذهب و النحاس و لا بين العدو و الصديق و لا بين المخلص و الخائن .

c.   و الجهل يؤدي إلى اتساع هوة الخلاف . فالعالم و الفاهم تزيد فرصة اتفاقه مع الطرف الآخر إذا كان بنفس المستوى أو قريباً منه و العكس صحيح فالجاهل و الغبي تزيد فرصة إخفاقه و عدم اتفاقه مع الطرف الآخر و لاسيما إذا كان مثله . ففي اعتقادي أنَّ كل مشكله خلافية يمكن حلها بالعقل و الحكمة مهما بلغت من تعقيد . فالجهل أدى إلى تعزيز الفرقة بين العرب و الفرقة أسهمت في الإبطاء من عملية التقدم.

3)  فقر بعض الدول العربية أو تعمد إفقار شعوبها لشل الفكر التقدمي و استجداء العيش بكرامة.

فبعض الدول العربية فقيرة الموارد بطبيعة الحال و بعضها غنية و بعض الغنية منها تعمدت إفقار شعوبها لضمان السعي للقمة العيش و الانصراف عمّا يغث , فيظل المواطن العربي تحت تأثير عاملين الأول السعي للاقـتـيات و الثاني المحافظة على قوته و لا يفكر في الأمور السياسية الأمر الذي أدى بالمرافقة بأنْ لا يفكر كذلك بالتقدم .

4)  العشوائية و عدم ترتيب و تنظيم الأولويات و ضعف الإدارة .

لقد كنت محتاراً .. هل أصنف هذا العامل قبل غيره أم لا ؟ ... و ذلك لما له من أهمية بالغة فإني رأيت العرب بصفة عامة عشوائيين و غير منظمين و لا يستطيعون وضع ترتيب صحيح للأولويات فكثيراً ما يتم التركيز على الكماليات قبل اكتمال الأولويات , هذا الأمر أراه  على مستوى الشعوب و الدول على حدٍ سواء كما لضعف الإدارة العربية الأثر البالغ و المباشر في الفشل و توالي الإخفاقات فلو كنا نمتلك الشفافية و عهدنا لمركز أبحاث لوجدنا أنَّ معظم متخذي القرار في الوطن العربي من وزراء و وكلاء وزارات و مديرين و تنفيذيين لا يملكون المؤهل الأكاديمي المناسب إماّ من حيث الدرجة أو من حيث التخصص فمن الممكن جداً تجد وزيراً لديه شهادة ( إعدادية أو ثانوية ) و من الممكن تجد مدير عام شركة كهرباء لديه شهادة في الجغرافيا أو الإعلام أو الشريعة !! و هذا أدى إلى بروز ظاهرة ( المدير التنبل و المدير الخفي و العلاقة النفعية المتبادلة ) التي تحدثتُ عنها في مقالٍ سابق .

 

5)  غياب منهجية البحث و التطوير .

لو أردنا أنْ نصل لما وصل إليه المتقدمون فعلينا انتهاج النهج الصحيح في البحث و التطوير , ففي الدول المتقدمة توجد مراكز للبحث و التطوير و بمجالات و تخصصات مختلفة مثل الفلك و الطب و التصنيع و الزراعة و غيرها الكثير . و هذه المراكز تمول من الحكومة التي تأخذ الضريبة بدورها من المواطن . كما نجد أقسام البحث و التطوير حتى على مستوى الشركات الصناعية و التجارية و الزراعية و الطبية ففي الوطن العربي نادراً ما نرى مراكز بحث و تطوير حقيقية ... لا على مستوى الدولة و لا على مستوى الشركات و المصانع , هذا من ناحية و من ناحية أخرى غياب المنهجية ذاتها .... القائمة على ( المحاولة و الخطأ و التدوين و التكرار ) حتى الوصول إلى مرحلة ( المحاولة و النجاح و التدوين و الإعلان ) للجمهور و الصحف و التلفزيون و اعتبار ما تم التوصل إليه إنجازاً يضاف للإنجازات العالمية على مستوى العالم و الوطنية على مستوى الدولة . و للتبسيط فإنَّ فرنسا تنتج أكثر من 2000 نوع من أنواع الجبن , تلك الأنواع التي تم اكتشافها عن طريق إتباع منهجية ( المحاولة و الخطأ و التدوين و التكرار ) حتى الوصول إلى مرحلة ( المحاولة و النجاح و التدوين و الإنتاج ) و كل مرة يتم إضافة نوعية مختلفة من البكتيريا للحليب و ببيئات مختلفة من مناخ التخمير بينما لم تفلح 23 دولة عربية في إنتاج أنواعاً من الجبن تجاوز ( الجبنة النابلسية و البضاء و جبنة حلوم ) ... رحم الله امرئً عرفً قدر نفسه .

1)  تضارب مصالح الأمم .

استهل الإفصاح عن هذا ببيت شعر للمتنبي يقول :

بذا قضت الأيام ما بين أهلها *** مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ

من الطبيعي و جود معوقات تـنموية صعبة نتيجة بذل جهود خفية من قبل المنافسين لأنَّ نجاحك في التوصل لسر المهنة في أي مجال سيؤدي بالضرورة لتخفيض مبيعاتهم و تقليص الفجوة بينك و بينهم الأمر الذي يتطلب معه العمل بسرية كأحد أسباب النجاح .

2)  تواصل التبعية السياسية و الاقتصادية للدول القوية .

في رأيي الشخصي أنه لا توجد دولة في العالم لديها استقلال تام تصل نسبته إلى 100% فالعملية تخضع إلى النسبية بشكلٍ كبير و لكي أستأنف موضوعي لا بد من توضيح معنى الاستقلالية .

الاستقلالية : هي عدم تأثر القرارات المتخذة بالضغوطات الداخلية أو الخارجية .

فبعض الدول تهيمن عليها دول أخرى أقوى منها أو أضعف منها لكن تتحكم بأمرٍ ما يجعلها تخضع بطريقةٍ أو بأخرى و بعض الدول تهيمن عليها عصابات المافيا و بعض الدول تهيمن عليها الشركات و لاسيما متعددة الجنسية , و للتوضيح لو سُـؤِلَ أي إنسان ... هل أمريكا تتمتع بالاستقلالية ؟ فسوف يجيب بكلمة ( نعم ) بينما في رأيي الشخصي هي لا تتمتع بالاستقلالية التامة التي تصل إلى نسبة 100% .... كيف ؟

إنَّ متخذ القرار الأمريكي يتأثر قراره بإسرائيل ( دولة خارجية ليست بالضرورة أقوى ) و يتأثر قراره بالشركات الأمريكية و لاسيما الشركات المتعددة الجنسية كشركات النفط التي كان لها الأثر البارز في قرارت الحروب الأمريكية في منطقة الخليج سواءً في الحرب الأولى ( حرب تحرير الكويت ) أو في الحرب الثانية ( حرب احتلال العراق ).

ما انطبق على أمريكا ( أقوى دولة في العالم ) ينطبق على سائر دول العالم بنسب متفاوتة و بطريقةٍ أو بأخرى و يعلل السياسيون انخفاض الاستقلالية عن نسبة 100% بالسياسة الإستراتيجية و لا ضير في هذا .

بالنسبة للدول العربية و هو محور موضوعنا لم تزل تعاني من التبعية الاقتصادية و السياسية بدرجاتٍ مختلفة تلك التبعية التي تأثرت بها التنمية بطريقةٍ ما .

و في اعتقادي فإنَّ العلاقة بين الضغط الخارجي و الداخلي تناسب عكسياً للدول سعياُ للإستقرار . فـ

إذا زاد الامتـثال للضغوطات الخارجية قـل الامتـثال للضغوطات الداخلية

و إذا زاد الامتـثال للضغوطات الداخلية قـل الامتـثال للضغوطات الخارجية

و للتوضيح دولة اسمها ( X ) في آسيا الوسطى أراد متخذ القرار فيها محاربة زراعة المخدرات , من المحتمل جداً أنْ يخضع لضغوطات داخلية من قبل مافيات ( عصابات ) المخدرات و لضغوطات خارجية من قبل الدول التي ترعى بطرق خفية تجارة المخدرات و التحكم في مصادرها و منافذها الأمر الذي قد يجعله يتروى في اتخاذ قراره أو يلطفه أو يحجم عنه .

و لو لم ينطوي الأمر على كثيرٍ من الحساسية لأسهبت في الأمثلة التوضيحية . و من المضحك أنْ تجد شخصاً واحداً ( ليس دول و لا عصابات و لا شركات ) يضغط على دولةٍ ما لأجل قرارٍ معين فتجد مثلاً رجل في قمة الثراء أودع 10 مليارات من النقد في إحدى الدول يهدد هذه الدولة بسحب ملياراته و تحويل استثماراته إلى دولةٍ أخرى إذا لم تتخذ هذه الدولة القرار الفلاني أو التراجع عن القرار الفلاني كما ذات مرَّة يوم أنْ ضغط أحد التجار الأثرياء الذي كان يمتلك أحد أكبر المتاجر في بريطانيا على حكومة بريطانيا بشأن موضوعٍ ما .

ففي اعتقادي مرة ثانية ... لا توجد دولة في العالم لها استقلالية تامة بنسبة 100%

الخلاصة :

الذكاء و الحنكة و الدهاء كيف تستطيع العيش بكرامة بين دول العالم و أن تصل لأهدافك بلا خسائر أو بأقل خسائر ممكنة أو بأقل كلفة ممكنة و أرى أنَّ الأمة العربية لازالت مؤهلة لقيادة عمليات التنمية في أراضيها و في أراضي الدول الصديقة و لا زالت قادرة على تبني المشاريع العالمية التي تخدم الطفل و الأسرة و البيئة و توفير الخدمات و المعونات الإنسانية لكثير من الدول حول العالم و هي مؤهلة لقيادة العالم بأسره يوماً ما كما قادته في ما مضى.

بو بطي         محمد سيف العتيبة       27/12/2010     الاثنين   

 

إذا أردت تنزيل المقال بصيغة بي دي أف فاضغط على

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

294

 العدد الكلي:

987064

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2024 الموقع الفرعي