رموز السيادة و جهل العرب

رموز السيادة و جهل العرب

 

إنَّ الله قد أوضح لنا ( نحن البشر ) أنَّ الشيطان هو عدونا اللدود فقد قال الله جل في علاه :

((وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ للإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا )) الإسراء 53

و لكن الله أوضح لنا أيضاً أنـنا إذا ما تمسكنا بالله عز و جل فإنَّ كيدَ الشيطان ضعفاً :

((الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )) النساء 76

لا شك أنَّ ما تقدم يعرفه كل المسلمين و أهل الكتاب من اليهود و النصارى و التبس على من تاه عن هدي الله من باقي سكان الكرة الأرضية .

كنت دائماً أردد و أقول أنَّ أعدائنا الحقيقيين بعد الشيطان هم ثلاثة :

1)    الجهل.

2)    المرض.

3)    الفقر.

و قد وضعت الجهل في المرتبة الأولى لأنَّ الجهل في اعتقادي أبو المصائب و حتى اختلاف العقائد بين البشر الذي أدى إلى الحروب و الدسائس و المشاكل و إزهاق الأرواح عبر آلاف السنين و حتى قيام الساعة سببه الأول هو الجهل , كما أنَّ الحسد الذي هو في اعتقادي الطامة الكبرى للبشرية أحد أهم إفرازات الجهل و الغباء مجتمعين . فعندما تزاوج الجهل مع الغباء أنجبا ولداً أسمه (( الحسد )) عموماً لعظم موضوع الحسد سأفرد له موضوعاً مستقلاً .

تتمثل رموز سيادة أي دولة في العالم في أمورٍ كثيرة أهمها :

1)     أراضيها و حدودها البرية و البحرية إنْ وُجدت.

2)     أركان الدولة و هي :

a.    الرئيس .

b.    مجلس الوزراء و الوزارات و الهيئات الحكومية.

c.     المجلس الوطني أو ما يطلق عليه في دولٍ أخرى البرلمان أو مجلس الأمة أو الكونجرس .

d.    القضاء .

e.    الدستور و المراسيم و الأنظمة و القوانين .

3)     النشيد الوطني .

4)     علم الدولة .

5)     شعار الدولة .

6)     العملة الوطنية .

7)     جواز السفر.

فإذا ما تم المساس بأي نقطة من النقاط أعلاه فقد تم المساس بسيادة الدولة و كرامتها و لتوضيح الأمر فإنَّ أيَّ دولةٍ في العالم لا تقبل أنْ تُـنـتـهك حرمة أراضيها من قبل أي دولةٍ أخرى  و لا ترضى بالإساءة لرئيسها و لا يستخف بدستورها و لا يحرف نشيدها الوطني و لا يداس علمها و لا تستخدم أي عملة على أراضيها غير عملتها الوطنية .

عندما أمعنت النظر في الدول العربية و التي عددها 23 دولة وجدت أنَّ معظمها لا يولي اهتماماً لبعض رموز السيادة و لاسيما ( العملة الوطنية ) و قد تأتى ذلك من الجهل الذي انبثق عنه ضعف الإحساس بالكرامة الوطنية .

لقد عرف الصحابة الكرام معنى رموز السيادة للدولة و الجيش و جهلناها نحن بعد 1400 سنة .

فها هو ( جعفر الطيّار ) جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه و أرضاه أخو علي ابن أبي طالب رضي الله عنه و ابن عم الرسول صلى الله عليه و سلَّم في غزوة مؤتة التي دارت رحاها بين المسلمين و بين الكفار على مشارف الشام و بالتحديد في الأردن و قد كان جعفر الطيار رضي الله عنه يصول و يجول حاملاً سيفه و بعد ذلك راية المسلمين حتى أصابته ضربة قطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فما لبث أن أصابته أخرى قطعت شماله فأخذ الراية بصدره وعضدية فما لبث أن أصابته ثالثة شطرته شطرين فأخذ الراية عبد الله بن رواحه فما زال يقاتل حتى لحق بصاحبيه .

إنَّ الراية أو العلم بالمنظور الضيق ما هي إلاّ قطعة قماش لا يتجاوز ثمنها بضع دراهم و لكنها بالمنظور الواسع الشامل فإنَّ الراية أو العلم يحمل معاني كثيرة أهمها قيام الدولة و عزتها و كرامتها و عدم انكسار الجيش في المعركة , فقد ضحى جعفر الطيار بحياته في سبيل الله و عدم سقوط راية المسلمين على الأرض لأنَّ سقوط الراية على الأرض يعني انكسار و انهزام الجيش , يا للتضحية , سبحان ربي الأعلى الذي خلق فسوى .

ما يجعلني أشعر باستياء شديد هو جهل العرب في يومنا هذا بمفهوم رموز السيادة و أبعادها فما انطبق على الراية أو العلم ينطبق بنفس القدر على ( العملة الوطنية ) فالعملة الوطنية إنْ كانت معدنية أو كانت ورقية فهي بالمنظور الضيق زهيدة الثمن و لكن بالمنظور الواسع فإنَّ التعامل بها يعني سيادة الدولة كما أنَّ العكس يستنقص من السيادة .

أي إنَّ التداول و التعامل بين الناس في دولةٍ ما بغير عملتها الوطنية يستنقص من كرامتها و سيادتها الوطنية.

كثيراً ما تصلني عروض ترويجية على هاتفي النقال تتحدث بالدولار و أحيانا تصلني رسائل بريد إلكتروني تتحدث بالدولار و أنا مواطن إماراتي غيور على بلدي و على عملتنا الوطنية و هي الدرهم .

أما الصدمة الكبرى هي عندما أجد جريدة وطنية تتحدث بالدولار أو باليورو في الصفحة الإقتصادية فالأحرى أنَّ القائمين على الجرائد و الصحف و المجلات الوطنية أو أي منبر إعلامي كالإذاعة و التلفزيون أنْ يكونوا من المثقفين و ليس أنصافهم , فأنا قد أتقبل هذا الأمر من جاهل في مجلس أو في شارع ولكن لا يمكنني أنْ أتقبله ممن يعتبر نفسه مثقف و يعتلي منبراً إعلامياً فالطامة مركبة فالأمر لا يتوقف عند هذا الإعلامي بل يتعداه إلى إشاعة الضعف بالإحساس الوطني إلى عامة الناس فيصبح الناس يستسهلون التحدث بالدولار أو بأي عملة غير وطنية في الإمارات .

أنا أريد أن أوجه عدة أسئلة لؤلئك المنشقين جهلاً :

1)     لو كنت في بريطانيا مثلا و كنت تعتلي منبراً إعلامياً هل تستطيع التحدث بغير العملة الوطنية لبريطانيا ؟ و هل سيسمح لك و إذا ما تجاوزت السماح هل ستفلت من العقاب على المستوى الحكومي و على المستوى الإجتماعي ؟

2)     لو كنت صاحب بقالة أو دكان في فرنسا هل تستطيع تسعير بضاعتك بالدولار و إذا فعلت هل ستفلت من العقاب ؟

لماذا التجرّؤ على الإمارات و الاستخفاف بشعبها ؟

أتفاجئ ببعض المتاجر في الإمارات بتسعير بضاعتها بغير الدرهم الإماراتي ... أين الإحساس ؟ .... أين المسئولون ؟ ... أين الحس الوطني الرافض عند المستهلكين ؟

و في هذا الصدد أتذكر قصيدة المتنبي التي يقول فيها :

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ    ***    ما لِـجُـرحٍ بِمَـيِّـتٍ إيـلامُ

كما أتذكر قول الله جل في علاه :

(( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ )) الرعد 11

لا يمكن لأمةٍ أنْ تشعر بعزة الانتصار إلاّ إذا كانوا مستشعرين العزة في أنفسهم و قلوبهم قبله حتى و لو انتصروا فعلاً .

إلى متى سيظل العرب يجهلون رموز السيادة و طريقة التعامل معها و حمايتها ؟

بو بطي     السبت    15-1-2011 م

إذا أردت تنزيل المقال بصيغة بي دي أف فاضغط أدناه

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

237

 العدد الكلي:

987007

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2024 الموقع الفرعي