قل موتوا بغيظكم

قل موتوا بغيظكم

قال الله تبارك و تعالى في سورة آل عمران:

و قد استخلصت التفسير التالي من بين عدة تفاسير و بعد رجوعي للقاموس المحيط :

يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا

بِطَانَة

مِنْ دُونكُمْ

لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً

وَدُّوا

مَا عَنِتُّمْ

قَدْ بَدَتْ

البغضاء

مِنْ أَفْوَاههمْ

 

أَصْفِيَاء و أصدقاء تُطْلِعُونَهُمْ عَلَى أسراركم

من غَيْركُمْ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ

لا يقصِّرون في تمني الفساد لكم

تَمَنَّوْا

ما يشق عليكم

(الضرر)

قد ظهرت

الكره و العداوة

بزلات ألسنتهم و بإطلاع المشركين أسراركم

هذه الآية في رأيي من أعظم الآيات القرآنية و القرآن كله عظيم. ما قصدته هو إلقاء الضوء أكثر على هذه الآية العظيمة لسببين :

أولاً      :         لأنَّ المسلمين أصبحوا يكررون أخطائهم المرة تلو المرة .

ثانياً      :         لأنَّ الآية تنطبق على المستوى الاجتماعي و الفردي في حياتنا اليومية و هذا أيضاً من أوجه إعجاز القرآن الكريم .

تنشأ العداوات بين البشر لأسبابٍ عديدة, لا نحصيها و لكن نذكر بعضها :

1)      عداوة بسبب الدين أو المذهب.

2)      عداوة بسبب الميراث.

3)      عداوة بسبب الاعتداء على حق.

4)      عداوة بسبب القتل العمد أو الخطأ.

5)      عداوة بسبب الاحتقار و الاستهزاء.

6)      عداوة بالتوارث ( أي أنْ يرث الابن عداوة أبيه لشخصٍ ما, فيعاديه هو أيضاً بالتأثر و التوازي )

7)      عداوة بسبب اختلاف المعتقد و التيار الفكري.

8)      عداوة بسبب الصراع على الرزق.

لو تأملت الأسباب أعلاه لوجدت أنَّ معظم الأسباب تدور حول اعتداء طرف على طرفٍ آخر فهناك معتدي و هناك معتدى عليه.

موضوع مقال اليوم يتناول كيفية تَـشَـرُّب مفهوم الآية في ذهن و مخيلة المعتدى عليه ( المظلوم ) و انعكاس تأثيراتها على النظرة و السلوك.

عندما تنشأ عداوة بين اثنين فالعلاقة بينهما تبدأ بأخذ أحد النماذج التالية:

1)      الاشتباك بالفعل و القول .

2)      قطع العلاقة و المحاربة بالاستنزاف النفسي و المادي .

3)      إبقاء العلاقة بإظهار الحياد و إبطان العداوة و رسم الابتسامة الصفراء.

و ما ينطبق على البشر ينطبق عادةً على الدول, فعندما تنشأ العداوة بين دولتين فالعلاقة بينهما تبدأ بأخذ أحد النماذج التالية:

1)      الحرب التقليدية. ( دبابات و طائرات و قنابل .... )

2)      حرب الاستنزاف.

3)      الحرب الباردة.

لو دققت عزيزي القارئ لوجدت تناظراً شُعاعياً واضحاً بين النقاط الثلاث الأولى و الثانية بنفسه الترتيب.

من أهم عوامل النجاح و التفوق و الانتصار ما يلي:

1)      تأكد من أنك على حق و حاذر تلبيس إبليس و إذا تبين لك أنك على باطل فانسحب و اعتذر و لا تستكبر الاعتذار و لا تعتدِ فصاحب الحق منصور من الله مهما طال الأمد.

2)      لا تستخدم كل أسلحتك من أول المعركة و لا تستنزف الذخيرة.

3)      لا تفصح عن أسلحتك, فالإفصاحُ مؤشرٌ على ضعفِ الفاعلية.

4)      الصبر. فقد قال الله تعالى ( إنَّ الله مع الصابرين ) البقرة 153 . كما ورد في مسند أحمد في سياق حديثٍ طويل أنَّ محمد رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال: ( النصر مع الصبر ).

في ضوء الآية المذكورة و المشروحة فإنَّ من الحصافةِ الابتعادُ عن النوع الثالث من أنواع العداوة ذلك النوع الذي قد يعطي متسعاً من المجال لأعدائك و أذنابهم بالالتفاف و التزلف و استقاء ما عندك تمهيداً لتحصين الدفاعات .

و انطلاقاً من كون الإنسان اجتماعياً بطبيعة الفطرة فلا يمكنه الانعزال و لمّا كانت اللقاءات حتمية وجب التنبيه لأخذ الحيطة و الحذر . فسقطات اللسان توحي بما في القلوب.

فمتى تكررت السقطات من شخصٍ ما وجب الابتعاد عنه و عدم مصافاته, مما يعطي انطباعاً بأنَّ ما تخفيه نفسه أكبر و أعظم و هذا يذكرني تماماً بقصيدة الإمام الشافعي رضي الله عنه و أرضاه عندما قال :

فما كل من تهواه يهواك قلبه ***  ولا كل من صافيته لك قد صفا

فمن المحتمل جداً أنَّ من تصافيه و تفضي له بأسرارك لا يصافيك و لا يفضي إليك بالمقابلة, بل يستسقي ليبلغ عنك.

قياساً بالآية 119 و استرسالاً لما قد بدأناه فمن المحتمل أنْ تحب عدوك و أنت لا تعلم .

و من الأمور التي حيرتني كثيراً أنَّ الإنسان قد يحب عدوه و هو يعلم أنَّهُ عدوه و لم يزل كذلك لأنَّ الحُبَّ لا عين له ... و لا عقل له.

و هذا ما حصل معي تماماً, حيثُ أنني كنت و لا زلت أحب الكثير من أعلم أنهم يضمرون لي العداوة !! و لا أملك التحكم في قلبي و لعل هذا ما قيد يدي دون توجيه ما هو مؤلم.

و مؤكدٌ أنَّ هذا ما يعطي أبرز الأمثلة على النزاع الدائم بين ( العقل و العاطفة و الأنفة ) ذلك النزاع الذي تناوله علم النفس بكثيرٍ من الإسهاب و نظَّرَ فيه المنظرون مثل فرويد و غيره.

فالآية الكريمة هنا تنبهنا بالقياس أنَّك من المحتمل أنك تحب عدوك بينما هو لا يحبك و تُـقَـدِّرُهُ و هو لا يُـقَـدِّرُكَ و إذا لقاك أنكر أي خِلافٍ أو عداوة  و ادعى الصفاوة و المودَّة و إذا خلا بنفسه عظ على أنامله و أصابعه من الغيظ .

" قل موتوا بغيظكم إنَّ الله عليمٌ بذات الصدور " آل عمران 119

بو بطي 9/3/2011  الأربعاء

عزيزي القارئ إذا أعجبك المقال و اردت تنزيله بصيغة بي دي أف فاضغط على الصورة ادناه .

تعليقات زوار الموقع على المقالة
   

 زوار اليوم:

242

 العدد الكلي:

987012

الرئيسية ::الشعر ::المقالات ::المؤلفات ::أفكار ::سجل الزوار ::صور ::مواقع ::استطلاع ::إحصاءات ::فيديو ::راسلني

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشاعر محمد بن سيف العتيبة 2024 الموقع الفرعي