فن إدارة الاجتماعات
يتولى كثيرٌ من المدراء قيادة اجتماعاتٍ تخص العمل غير أنَّ الكثير منهم يفتقدون السيطرة على مجريات الاجتماع أو لا يقودون الاجتماع على أسس علمية أو بأسلوب يوحي بالديمقراطية الإدارية , فتجد الحديث منحصر بين مدير الاجتماع و بحد أقصى شخصين أو ثلاثة و يظل الباقون متفرجين على ما يدور و قد أدى الإرهاب الوظيفي إلى تحول هؤلاء الباقين إلى أبواق لتوجه مدير الاجتماع فتجدهم يفضلون السكوت و من ثم يدلون بآرائهم – إذا طُلِبَتْ منهم – حينها تكون آرائهم متوافقة مع توجه مدير الاجتماع و إلاّ كان الويلٌ لهم .
هذا من جانب و من جانبٍ آخر لا يمكن عزل الآراء المتداولة على طاولة الاجتماعات أو القرارات المتخذة بُـعَـيْـدَ الاجتماع عن العلاقات الإنسانية السائدة في بيئة العمل , علاوةً على ذلك فالبعض لا يمكن أنْ يغامر بالإفصاح عن آراءه و التي تعكس فكره و توجهاته مقابل نتيجة غير مضمونة.
و لذلك أدرك الباحثون في علم الإدارة معوقات العمل و سعوا لحلها , فقديماً و قبل تقدم التقنية كان بعض المدراء الديمقراطيين يلجئون إلى الاقتراع و التصويت على الآراء المدلى بها و على القرارات المنوي اتخاذها فيكتب أعضاء اللجنة آرائهم على قصاصات ورقية متشابهة و يستخدمون أقـلام متشابهة اللون و الخط و يصوتون بعد ذلك بدون أنْ يتمكَّن رئيس اللجنة أو أي عضوٍ من أعضاءها من معرفة رأي زميله .
و التصويت في اللجان عادةً ما يكون بإحدى الطريقتين التاليتين :
1. بنعم أو لا.
2. باختيار بديل من بين عدَّة بدائل.
و لعل المثل التالي يوضح الفكرة بشكل أكبر:
شركة ( الضب الوردي ) للوجبات السريعة تكون لديها مبلغ من المال الذي حوَّلته إلى احتياطي, ثم بعد ذلك طُرِحَتْ فكرة افتتاح فرع جديد خارج الدولة و عقد اجتماع لمناقشة الفكرة برئاسة مدير الشركة و عضوية 9 من كبار الموظفين في الشركة.
الاقتراع الأول:
يقول مدير الاجتماع : ما رأيكم في فكرة افتتاح فرع جديد , هل توافقون عليها؟
الاقتراع الثاني:
الدول المرشحة لافتتاح الفرع الجديد بها هي :
أ – النيجر.
ب – سنغافورة.
ج – بلجيكا.
د – اليونان.
لاحظ عزيزي القارئ أنَّ الاقتراع الأول يجب أنْ تكون الإجابة فيه بنعم أو لا و الاقتراع الثاني تكون الإجابة فيه باختيار بديل من بين عدة بدائل.
أضف للمثَل السابق المعطيين التاليين :
اقتراح فكرة افتتاح الفرع الجديد مقدمة من مساعد المدير العام.
مساعد المدير العام بلجيكي.
لا شك أنِّ المعطيين سيؤثران على آراء أعضاء مجلس الإدارة , فتخيَّل عزيزي القارئ أنَّ الإجابة على الاقتراع الأول كان جهرياً فمن المحتمل جداً أنْ يدور الحوار على النحو التالي:
المدير العام:
ما رأيكم في فكرة افتتاح فرع جديد , هل توافقون عليها؟
أعضاء مجلس الإدارة: ( وبصوتٍ واحد )
نعم طال عمرك فالفكرة ممتازة. حيث ستساعدنا هذه الفكرة على زيادة أرباح الشركة.
المدير العام :
ما هي الدولة التي ترون أنها الأنسب لافتتاح فرعنا الجديد بها من بين الدول المتاحة؟
أعضاء مجلس الإدارة: ( وبصوتٍ واحد )
طال عمرك و هو في أحسن من بلجيكا تلك الدولة الأوروبية المتحضرة و شعبها الطيّب.
عزيزي القارئ طبائع البشر متشابهة و إنْ اختلفت المبادئ, فالنفاق موجود ومن الطبيعي مراعاة معطيات البيئة و توجه صاحب القرار و السلطة فلا غرابة من نتائج الاقتراع المرتبطة بالخوف و الطمع فأعضاء مجلس الإدارة يرجون مديرهم ( خوفاً و طمعاً )
و للتقدم العلمي الهائل الذي تعيشه الدول الأوروبية و أمريكا فقد تم ابتكار ( جهاز التصويت ) المعد خصّيصاً لمعالجة الموضوع أعلاه ( voting device ) . و الذي لا يتيح لرئيس اللجنة أو أعضاء اللجنة معرفة رأي كل عضوٍ بعينه مما يشجّع أعضاء اللجنة على التخلّص من مخاوفهم و بالتالي الحصول على نتائج تراعي مصلحة العمل أكثر مما تراعي رضا المدير العام .
فلو وضعت عبارة voting devices في قوقل و بحثت ستجد عشرات الشركات التي تبيع المنتج في ذات الحين الذي تجد فيه أنَّ مجرد طرح الفكرة و ليس الجهاز في أوساط العرب يعتبر أمراً جديداً و خرقاً لما جرى عليه العرف . غفر الله لنا.
و لقد اخترت عنوان المقال بعناية لأنني أعتبر الإدارة فن و إدارة الاجتماعات فن قائم بذاته و ماسك الريشة هو قائد الاجتماع فهو كالرسام ... إمّا أنْ يرسم لوحة جميلة تدخل السرور على أعضاء اللجنة و إماّ يرسم لوحة قبيحة يستنكرها أعضاء اللجنة في قلوبهم.
بو بطي الثلاثاء 20-9-2011 م 00971506255599
عزيزي القارئ إذا أردت تنزيل المقال بصيغة بي دي أف فاضغط على الصورة أدناه
|